فلتبدأ إيران إدارة المقدسات.. من القدس

القدس، رمز القضية، أولى القبلتين وثالث الحرمين. أﻻ تستحق مبادرة إيرانية بالمقارنة مع دعوة تهران لجعل الحرم المكي الشريف تحت إشراف إدارة إسلامية؟ لماذا أتت هذه الدعوة ولم تكن جفت بعد دماء المصلين في الأقصى. وبعد رسالة روحانية لتهنئة اليهود بميلاد سنتهم الجديدة؟ أهكذا تبني تهران علاقات الأخوة الإسلامية العربية بعد الحادث الجلل في مِنى؟

لم تكن حادثة مِنى عادية في موسم الحج هذا العام، وكذلك ردود الفعل عليها، لأنها أتت في ظل تشنّج إقليمي تركته وأثّرت فيه الحرب الدائرة على أرض اليمن وتبعاتها والتي كسرت الحلم الإيراني بالسيطرة على منافذ الجزيرة العربية من الجنوب. وهذا ما جعل ردّ الفعل الإيراني يتّسم بالضغط السياسي، وقد تراوح بين اتهام المملكة بتقصّد وقوع الحادث وبين ضرورة تشارك الدول الإسلامية لإدارة الأماكن المقدّسة في المملكة العربية السعودية.

إقرأ أيضاً: حادثة منى تعيد السجال بين الحريري و نصرالله
ولعلّ هذا المطلب الأخير يعكس جانبًا من الحلم الإيراني البعيد المدى والأهداف والغايات. وهو الهدف الذي ألمحت إليه الجمهورية الإسلامية منذ أمد طويل. وتحت شعارات مختلفة، وبدأ هذا الهدف يتوضح مع بدايات مقولة “تصدير الثورة الإيرانية” بعيد انتصارها عام (1979).

شهدت بداية التسعينات في العام 1991 أخطر تظاهرات الحجاج الإيرانيين، وحرصت بعثات الحجّاج الإيرانيين على ما سمّته تظاهرات “التبرؤ من الكفار” تحت الشعار الذي بات من التاريخ: “الموت لأمريكا”. وظهرت طروحات تنادي بجعل الحرم المكي ومحيطه منطقة إسلامية مفتوحة بحجة أنه “ليس مُلكًا لآل سعود”. وأنّ مكة هي عاصمة الدين الإسلامي وﻻ يجوز أن تكون تابعة لدولة عربية ملكية ﻻ تستطيع على ضبط الأمن فيها وتحقيق الأمان.

شهداء حج
إن معاودة طرح هذا الموضوع من جديد الآن وبحِدّة أكثر، وفي ظل التشنجات الإقليمية بات يطرح أكثر من سؤآل، وأكثر من علامة استفهام. ولكن لنطرح السؤآل بشكل مغاير، هل ما تقوله إيران يمكن تطبيقه على العتبات المقدسة الموجودة على أراضيها؟ وهل توافق على مبدأ تطبيق إدارة العتبات المقدسة التي يحتكر العراقيون ادارتها في النجف وكربلاء؟ خصوصًا وأنّ العراقيين لم يتمكنوا من منع وقوع أكثر من انفجار ارهابي آثم أودى بحياة مآت الزوار خلال السنوات الأخيرة، مع كل التنسيق الذي تقيمه إيران مع السلطات الأمنية العراقية؟
أمّا إن قيل إنّ الأماكن المقدّسة في الجمهوريتين الإيرانية والعراقية هي وقفًا على الشيعة دون غيرهم. وهو ما يعكس بعض العصبوية وكثيرًا من التجنّي. فإن السؤآل الأكبر هو: لماذا لم تطرح إيران منذ انتصار ثورتها ولو تلميحًا إلى جعل القدس الشريفة منطقة دولية مفتوحة وتحت إشراف المسلمين. خصوصًا وأنّ هناك قرارات دولية ألمحت وصرّحت بذلك، ويمكن الإعتماد عليها. أيضًا فإن الشعب الفلسطيني يدأب إلى ذلك ويتطلّع لحماية دولية بعد كل مجزرة سنوية يرتكبها العدو الإسرائيلي كل عام، تارة تحت قبة الصخرة المشرفة وطورًا في باحة الأقصى الشريف. وما يساعد إيران هو قيام المملكة العربية السعودية من أقل من أسبوع بتقديم شكوى لمجلس الأمن والمنظمات الدولية، لردع قوات الإحتلال الإسرائيلي عن مجازرها المتكررة ؟

الحاج حادثة منى

ومن شأن هذا المطلب الإيراني إن حصل أن يقلل من شأن الخلافات العربية – الإيرانية ويقوي شوكة الدولة الفلسطينية، ويشدّ من عرى التلاحم الإيراني-العربي. ويفتح صفحة جديدة من العلاقات الوثيقة بين الطرفين. بل ويعطي مصداقية لشعار: الموت لإسرائيل، ولشعار قضية فلسطين الذي تعتبره إيران شعارها وقضيتها المقدّسة، وتزايد به حتى على الفلسطينيين وحتى على حركة حماس. وفوق كل ذلك فالقدس تستحق كل هذه المواقف، وكل هذه التضحيات وهي عاصمة العالم المقدسة. هي للمسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين، وهي مسرى الإسراء والعروج. وهي عاصمة النصرانية، وعاصمة المسيح. فتنفتح أبوابها وشوارعها لكل الحجاج والمتعبّدين من أقاصي الأرض كلها لتكون بحق عاصمة العالم المقدّسة.
واللافت أن الدعوة الإيرانية لإدارة إسلامية للحرم، أنها أتت بعيد استباحة المسجد الأقصى وساحات قبة الصخرة والتعدي الصهيوني الفاضح على المقدّسات فيهما. وقتل المصلين والتفجيرات التي قتلت وجرحت الآﻻف، والأفظع أنّ رئيس جمهورية إيران حسن روحاني بعث قبل هذا الإقتراح الفتنة برسالة إلى الشعب اليهودي لتهنئته برأس السنة اليهودية الجديدة «تلك إذًا قسمة ضيزى» كما جاء في سورة النجم الكريمة. إنها نظرة بعيدة كل البعد عن المسؤولية، وهي ﻻتنظر بعين العدل بين محتل وأخ في الدين، وشقيق في الإقليم وجار ﻻ يبغي إﻻ أن يساويه الجار الإيراني بعدوة، وذلك أضعف الإيمان.

إقرأ أيضاً: المعجزة الوحيدة: إيران وحّدت مليار سنيّ… ضدّها
هذا الكلام ﻻ يعني أنه ﻻ مآخذ للعرب وللسعودية بالنسبة لسوء تنظيم إدارة الحج.ووجوب إمكانية التطوير والتحديث. مع تصرفات أقلها انها ظهرت غير ﻻئقة كإقفال مسار هنا وباب ومسرب هناك لإحرام أمير أو مرور موكب أو طواف سلطان! لكن أن تصل الأمور ببعض الدول الصديقة أن ﻻ ترى إﻻ بعين واحدة، وﻻ تسمع إﻻ بأذن واحدة فذاك خطير، خطير، خطير.

السابق
بالفيديو: إحذروا هذه الخدعة البصرية
التالي
بالفيديو: قفزة كادت أن تودي بحياته في عين المريسة