هموم الأمّة…أهم من همّ الأم !

عملية المقارنة في النص أدناه، صعبة للغاية، وربما تعتبر تجاوزا للخطوط الحمر، وقد يهدر دمي أو يتهمني أحدهم بالكفر، لأنني أشبه رجال الدين في طائفتنا بجنود الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك فالنتيجة واحدة، وهي الظلم. و"ظلم ذوي القربى أشد مضاضة"...

تقول الاحصاءات شبه الرسمية للسلطة الفلسطينية إن ثلاثة آلاف طفل فلسطيني يعيشون بعيدا عن أحد الوالدين بسبب الاعتقال، بالمقابل لا توجد إحصاءات رسمية ولا شبه رسمية للمحاكم الجعفرية في لبنان تكشف كم طفلا “شيعيا” يعيش في سجن الأبوة القسري بعيدا عن والدته.

ورغم لحظات العذاب المريرة التي تمرّ على الأطفال الفلسطينيين وهم يشهدون عملية اعتقال أحد والديهم، إلا أنهم أوفر حظا من كثير من الأطفال في طائفتنا، لسببين.

أولا: لأنهم يحصلون على تعاطف الملايين من المشاهدين الذين يتابعون تفاصيل قصصهم المأساوية على شاشات التلفزة.

وثانيا: لأنهم رغم مأساتهم، سيفطنون ذات يوم أن أسماءهم قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، مما يشكل ربما، تعويضا معنويا بالنسبة إليهم، نظرا للمعاني الإنسانية والأبعاد الملحمية التي تجعل منهم أطفالا استثنائيين.

مآسي الأطفال الفلسطينيين الذين يعانون من ظلم الاحتلال، تقلب علينا نحن الأمهات المحرومات من أطفالهن، وتذكرنا بأطفالنا الذين أخذوا عنوة من أحضاننا، لا لذنب اقترفوه، أو اقترفناه، ولا لجريمة ارتكبناها، إنما تنفيذا لمشيئة الرجل – الأب أوالقاضي.

وقد ترأف قوانين المحاكم الجعفرية أحيانا، بهؤلاء الصغار وبأمهاتهم فتسمح لهم بما هو متعارف عليه بحق الرؤية، ليتحول هذا الحق بطريقة ما، إلى جلسات جلد أسبوعية.

أطفالنا لا أحد يتابع تفاصيل حكاياتهم، وتنتهي فصول مآسيهم، أو ربما تبدأ، بإمضاء بسيط في ذيل ورقة وبالعبارة الشهيرة “رفعت الجلسة”.

أطفالنا لا أحد يتكرم ويسألهم عن رغبتهم، أين يفضلون العيش؟ ومع من يحبون البقاء؟ فهم سلع مصادرة، تماما مثل أمهاتهم، وكلاهما بضاعة يراهن عليها في المزادات الأخلاقية والمحافل الدينية، تبدأ صلاحيتها وتنتهي تبعا لغرائز السلطة الذكورية ورغبتها في السيطرة والتحكم، سواء الأبوية منها أو الشرعية.

ما يحصل في المحاكم الجعفرية في لبنان، أو برضا منها، أو تحت نظرها، أصبح أمرا معيبا في مجتمعنا الشيعي الذي يدّعي التمدن والتحضر ويفاخر بتكريمه للمرأة. أفلا تشبه حال الأم المحرومة من رؤية أطفالها، حال البنت العربية التي كانت تدفن حية في الجاهلية؟ ألا تشبه شرعية انتزاع الطفل من حضن أمه، إلا في حال تخلى الأب عن هذا الحق، شرعية القتل عمدا؟

وبالتالي، ألا يمكننا تفسير الآية الكريمة إذا ما أعتقنا النص من زمانه ومكانه- إذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت- على أساس ما سلف؟

لكنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه، ويتغنون بالحديث المتناقل لتبرير افعالهم، بأن النساء نواقص العقول والحظوظ والإيمان، وينظرون إليهن نظرة استعلاء ويتعاملون معهن على أنهن كائنات دونية، قاصرات، وشهادة رجل أمي من بينهم، تساوي شهادتين من أكثرهن علما ومعرفة.

وبغض النظر عن النصوص الشرعية التي قيدت المرأة بسلاسل الظلم وسلبتها أبسط حقوقها الإنسانية وحصرت دورها في إمتاع الرجل ومؤانسته، تبرز الإشكالية الأكبر، التي لا يلتفت إليها رجال الدين، ولا يبدو أنها تهمهم في شيء، فالأطفال الملتحقون قسرا بحضانة آبائهم هم مشاريع مرضى نفسيين ومجرمين مستقبليين.

تقول الدراسات العلمية إن المشاكل الأسرية والإجتماعية التي يعيشها الأطفال دون الخامسة من العمر تؤثر إلى حد بعيد في تكوين نواة ذاكرتهم الأولى، وما تبنى عليه شخصياتهم لاحقا، وتنعكس سلبا على نفسياتهم وتمنعهم من تكوين ذواتهم المستقرة، وتجعل منهم إما أشخاصا مضطربين نفسيا مدى الحياة، أو فاشلين اجتماعيا وأخلاقيا.

فهنيئا لمحاكمنا وقضاتنا بما تقترفه أيديهم يوميا من جرائم وانتهاكات بحق الأطفال، التي لا تقل بشاعة عما يقترفه جنود الاحتلال. وهنيئا لهم استباحة المقدس باسم المقدس، وحذار من التجديد أو التطوير في النصوص الشرعية المتسترة بقناع الألوهية، لأن في ذلك تهديدا لسلطتهم القائمة على أساس استغباء العامة ومصادرة عقولهم وعواطفهم بمنطق الحلال والحرام والثواب والعقاب والجنة والنار، وحضورهم المستمد من كثافة الأوهام وثقافة التضليل وتضييق الآفاق.

السابق
الامطار قادمة…غداً !
التالي
رعد: نريد رئيسا لا يملك قراره احد