حزب الله: معيار الإنتصار هو عندما يقول السيد … انتصرنا!

السيد حسن نصر الله
وقف حزب الله ميدانيا في الزبداني أمام طريق مسدود، ولم يستطع بعد مضي ثلاثة أشهر من السيطرة على العديد من أحيائها التي بقيت تقاومه ولم تستسلم رغم حصارها موقعة مئات القتلى والجرحى في صفوف الحزب، مما اضطر الأخير الى القبول باتفاق هدنة ينهي حالة الحرب بعد 6 اشهر ينسحب فيها المقاتلون السوريون ضمن شروط واتفاقيات طالت الفوعة وكفريا الشيعيتين المحاصرتين في ادلب، فكيف عدّ السيد حسن نصرالله هذا العجز الميداني انتصارا لحزب الله في مقابلته أول أمس؟!

واحدة من أكبر الإشكاليات التي يمكن أن تعترض فهم سلوكيات حزب الله، هي إنتفاء معايير ثابتة و واضحة يعتمدها الحزب في مقاراباته للموضوعات، إن على مستوى الأداء السياسي الداخلي أو في طبيعة علاقاته مع الأطراف الأخرى، أو حتى بالنسبة للمرتكزات الفكرية والثقافية والدينية ( كونه حزب ديني ) التي يحدد من خلالها شبكة علاقاته ومروحة تحالفاته، وصولاً لسلة أهدافه وغاياته المبهمة إجمالاً .

إقرأ أيضاً: هل صار السيد حسن نصرالله عبئا على حزب الله؟

 

وللدلالة المباشرة على ما ندعيه هنا من فقدان حزب الله لوحدة المعايير، ومطاطية المقاييس، دعونا نحلّل نتيجة واحدة يتبناها حزب الله ويروّجها عند جمهوره ببساطة، ويحاول عبر بروباغندا حزبية أن يسقطها على الآخرين .

ومن باب المثال لا الحصر دعونا نأخذ مفهوم “الإنتصار” عند حزب الله ، خصوصا في هذه الأيام وبعد إطلالة سماحة السيد بمقابلته مع الزميل عماد مرمل على قناة المنار، وتناوله لموضوع معارك الزبداني وتوصيفه ما حصل على أنّه إنجاز يضاف إلى إنتصارات الحزب، ممّا أعادنا بالذاكرة إلى نفس النقاش وإن بوتيرة أخف عن الإنتصار الإلهي في 2006 ، والذي لم يحسم بعد حتى اللحظة.

نحن إذاً أمام انتصارين اثنين يدعيهما حزب الله في معركتين مختلفتين ، يمكن لأيّ مراقب بسيط أن يتلمس مباشرة حجم التناقض بل والتعارض الواضح في معايير كل منهما، بحيث يصبح معه إدعاء أحد الإنتصارين على الأقل محلّ شبهة ويتعذر حينئذ إمكانية الجمع بينهما، وضرورة الإكتفاء بواحد منهما فقط.

الزبداني
الزبداني

مع التأكيد قبلاً على الأخذ بعين الإعتبار حيثيات كلّ معركةٍ على حدى، فنحن ندرك تماماً أنّ تبدل الزمان والمكان وطبيعة كل معركة لها خصوصياتها المتحكمة برسم مساراتها الميدانية وضروراتها الموضوعية التي لا علاقة لنا بها ولا هي محلّ اهتمامنا هنا، وإنّما الحديث فقط هو عن ما يتصل بالموازين الكلية المعتمدة في توصيف نتائج أيّ معركة بغض النظر عن ماهية المعركة وكيفية خوضها.

ففي حرب ال2006 جعل الحزب من مجريات الأحداث الميدانية هي وحدها المعيار في تقييم المعركة، واتخذ حينها من الصمود الأسطوري الذي سطره المقاومون وقدراتهم الحربية على الأرض واستمرارهم في أداء واجباتهم القتالية، وما ألحقوه بالعدو الإسرائيلي من خسائر، المعيار الأول والأخير بتحديد الخانة التي فيها توضع النتائج المترتبة على تلك الحرب. فكانت خانة الإنتصار الإلهي هي المكان الذي وضعت فيه، متجنباً أيّ حديث عن النتائج السياسية التي تمخضت عنها، فلا يكاد حزب الله يأتي على ذكر القرار 1701 لا من قريب ولا من بعيد ، في حين أنّ الآخرين الذين كانوا ولا يزالون يعترضون على توصيف نتائج الحرب وادعاء الإنتصار كانوا يجعلون من الخاتمة السياسية التي تؤول إليها الحروب هي ما تعكس حقيقة الخانة التي توضع فيها، وجعلوا من القرار الدولي الذي فرض كرهاً على الحزب، مؤشراً نهائياً على إخفاقه، مع إعتراف الجميع بعظمة الصمود والإقرار بالقدرات العسكرية له.

http://www.youtube.com/watch?v=86AkyH2C4JQ

أمّا على جبهة الزبداني فإنّ المشهد مختلف تماماً، فقد عمد سماحة السيد إلى اعتبار أنّ الإتفاق السياسي والهدنة التي توصل إليها مع ” المعارضة المسلحة “ ( التسمية التي أطلقها على مقاتلي الزبداني طيلة المقابلة ) هو المعيار الوحيد هذه المرّة، وأنّ هذا الإتفاق وما يمكن أن يحققه من نتائج ميدانية على الأرض هو الكفيل عنده بإعتبار أنّ معركة الزبداني حققت الأهداف المرجوّة وبالتالي فإنّ الخانة هنا هي خانة الإنتصار أيضاً، متناسياً كلّ مجريات الأحداث وكل حالات الصمود الأسطوري أيضاً التي سطرها هذه المرة المسلحون السوريون على الطرف الآخر.

إقرأ أيضاً: هكذا يسيء جمهور حزب الله إلى شهدائه

 

فبين إعتماد النتيجة النهائية لأيّة معركة والإتفاق السياسي الختامي لها، أو اعتماد المجريات الموضوعية في الميدان، وقع حزب الله في التناقض البيّن، وعليه يمكن أن نقول له بشكل واضح، وعليه هو أن يختار، إما أنّك انتصرت بالصمود الميداني في عام 2006 وبالتالي فقد هزمت في الزبداني، أو أنّك انتصرت سياسيا بالزبداني وهذا يعني أنك قد هزمت في الـ2006 …

هذا ما يفرضه منطق الأمور وتفرضه البديهيات العقلية .. إلاّ إذا كان معيار الإنتصار لدى حزب الله هو فقط بأنّ يقول السيد أنّنا انتصرنا !

السابق
الطيران الاسرائيلي يغير على مواقع للجيش السوري في القنيطرة
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الاثنين في 28 ايلول 2015