ما هي أسباب التغيير المفاجئ لموقف أردوغان من الاسد؟

صار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي طالب على الدوام برحيل الرئيس السوري عن السلطة، الزعيم الاخير الذي يليّن موقفه في الاسابيع الاخيرة، بقوله ان الاسد يمكن ان يشكل جزءا من مرحلة انتقالية في اطار حل للازمة السورية.
منذ اتفاق جنيف 1 الذي حدد الاطار العام لانهاء الحرب السورية ورسم معالم المرحلة الانتقالية، تعددت القراءات لما تعنيه هذه التسوية في ما يتعلق بدور الاسد في سوريا الجديدة. الحكومات الغربية رددت دائما لازمة “سوريا بلا الاسد” ، وعلى الاسد أن يرحل”، الا أن أردوغان كان دائما أكثر تحديدا وحسما في موقفه بأن على الاسد يجب أن يرحل في بداية المرحلة “الانتقالية” لا في نهايتها، وأن لا مكان له في اية عملية سياسية لسوريا، لانه السبب الوحيد للمشاكل.
موقفه هذا بقي ساريا حتى أمس الخميس.فعندما سئل عن الحل الممكن في سوريا، قال:”من الممكن ان تتم هذه العملية (الانتقالية) بدون الاسد كما يمكن ان تحصل هذه العملية الانتقالية معه”.ومع أنه أضاف أن لا احد يرى مستقبلا للاسد في سوريا، “ومن غير الممكن لهم (السوريين) ان يقبلوا بديكتاتور تسبب بمقتل ما يصل الى 350 الف شخص”، كان هذا التصريح العلني الاول لاردوغان يقر فيه بامكان أو ربما بوجوب بقاء الاسد خلال العملية الانتقالية .
ظروف “التغيير الجدري”
لا يمكن قراءة “التغيير الجذري ” في موقف أردوغان كما يصفه الرئيس التنفيذي لمركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية “ايدام” ومقره أنقرة سينان أولغن ل”النهار”، بمعزل عن عوامل عدة طرأت أخيراً على النزاع السوري.
بداية، أعلن الرئيس التركي موقفه المفاجئ غداة لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحليف الوثيق للنظام السوري.وقبل لقائهما مباشرة، أبلغ الكرملين الى الصحافيين أن ليس لدى روسيا ما تبحث فيه مع أحد في شأن مستقبل سوريا، لان هذا الامر في يد الشعب السوري، قاطعا الطريق بذلك على اي محاولات من ضيفه التركي لمناقشة مصير الاسد أو الدعم الروسي له.
وقبل اللقاء ، حذر رئيس الوزراء التركي أحمد دواد أوغلو من التعزيزات الروسية في سوريا واصفاً اياها بأنها “خطيرة جدا”. في رأيه أن نقل الدعم الروسي للنظام السوري الى الميدان “مقلق وخطير جداً”. وإذ لفت الى أن أردوغان سيثير المسألة مع بوتين ، قال:”ان شاء الله لن تتمسك روسيا بوسائل وطرق تزيد التوتر”.
المؤكد أن التعزيزات الروسية عقدت خطط أنقرة المتعثرة أصلا، بما فيها اقتراحه الذي يواجه معارضة أميركية لاقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، صار أكثر صعوبة في ظل الانتشار الروسي المتزايد في البلاد.
الى ذلك، يأتي موقف اردوغان بعد مواقف حكومات غربية أخرى، بما فيها واشنطن وبرلين ولندن وباريس بدأت تليّن موقفها من النظام السوري، في الوقت الذي تواجه أوروبا تحديدا موجة لاجئين لا سابق لها منذ الحرب العالمية الثانية.

في الاسباب

وفي رأي سينان إن موقف أردوغان هو قبول بالامر الواقع والمناخ الدولي.ويقول:”تركيا كانت معزولة في موقفها المطالب برحيل الاسد كشرط مسبق”، والتغير في موقفها يأتي بالتأكيد نتيجة التطورات، بما فيها التعزيزات الروسية في سوريا، ولكن أكثر نتيجة احتمال التوصل الى اتفاق شامل بين القوى الخارجية (روسيا ،الولايات المتحدة، والاتحاد الاوروبي وايران) في شأن بدء جهد جديد لاطلاق المفاوضات من أجل التوصل الى تسوية سياسية في سوريا، على غرار مؤتمري جنيف، من شأنها أن تضم النظام السوري”.ويخلص الى أن تركيا لا تريد أن تبقى معزولة عن هذه العملية.
الكاتب التركي مراد يتكين يقرأ أسباب التغير في موقف أردوغان بين سطور تصريحه أمس ايضا بأن الاسد يريد “سوريا صغيرة”، مشيرا الى “الدولة العلوية” المفترضة في غرب سوريا مع منفذ على المتوسط، وذلك على مساحة 15 في المئة فقط من مساحة سوريا وتشمل مدنا مثل دمشق واللاذقية وطرطوس وحماة وحمص.هذا الامر يخيف أردوغان الذي يخشى تقسيم سوريا رسميا ، الامر الذي يمكن أن يؤدي الى قيام دولة كردية على حدوده وسيطرة “الدولة الاسلامية” على جزء كبير من البلاد.
روسيا وايران، بحسب يتكين وجها رسالة بأنهما سيقبلان بسوريا أصغر ولكن أكثر تحصينا، وهو ما سيكون له تبعات تلحق ضررا بتركيا والغرب.ويشبه ذلك بما فعلته موسكو في أوكرانيا، بعدما ادركت أن اميركا لن تتدخل في نزاع مسلح معها بسبب اوكرانيا.وهناك نجح الكرملين في تحقيق أكثر اهدافه، وإن لم يكن كلها.

(النهار)

السابق
خارج المساومة الاسد
التالي
بين الجهل والحقد الطبقي