الحَراك المدني يواجه السلطة وإعلامها

طلعت ريحتكم
بدأت السلطة بأذرعتها الامنية والاعلامية بالرد والدفاع عن نفسها عبر التصدي المباشر، ودس الدسائس، للتخفيف من أعداد المعتصمين ضمن الحراك المدني الأوسع في لبنان بعد أن ظهر أنّ جدران العار القائمة على الباطون هو أسلوب الخائفين. فكيف تنفذ ذلك؟

في حركة مفاجئة، انطلق الحراك المدني في الشارع اللبناني أول ما انطلق بعدد ضئيل من الشباب، لكنه ما لبث أن كبُر وإزداد عدد المنضوين تحت شعاراته التي تكبُر يوما بعد يوم.

وكانت فاتحة عهد التظاهرات الجماهيرية تراكم النفايات في بيروت العاصمة التي لم يتقبّل أحد مكباتها التي عمت شوارعها. رغم أنّ عددًا كبيرًا من أفراد الشعب اللبناني في الماضي يتظاهرون رفضا لتراكم النفايات في شوارعهم لكن دون أي جدوى أو أي صدى مطلبي، وكان صوتهم دون أي رجع في الفضاء العام.

ولكن وصول النفايات الى شوارع بيروت، جمع من لم يجتمع يوما على شيء او على أي عنوان، خاصة اذا كانوا آتين من بيئات وطوائف مختلفة.

وكانت حملة “طلعت ريحكتم” هي الجمعية الأبرز والأولى والأكثر إطلالة إعلاميا بسبب اسمها اولا وبسبب جرأتها ثانيا، الى ان لحّق اليسار اللبناني حاله بحملة “بدنا نحاسب” الأمر الذي شجع الحراك على إحتلال الساحات بعد ان تحوّلت الشعارات الى شعارات علنيّة ضد الفساد، الذي لم يشاركوا فيه، كونهم مبعدين عن السلطة منذ التسعينيات.

وكرت الُسبّحة وبلغت أقصى مظهر من مظاهر قوتها وإلتحاق الناس بها يوم 29 أب-أغسطس حيث إمتلات الساحات وكثُرت العناوين وتعددت المطالب، وأبرزها فساد الحكّام.

من هنا بدأت الحرب على حملة “طلعت ريحتكم” كونها عبارة عن مجموعة أفراد متنوعيّ الإتجاهات مجهولي الانتماء وأقوياء بما يكفي لأن يحشدوا ما حشدوا، وليست كبقيّة الحملات الناشئة عن توجهات يسارية معروفة وإن كانت مختلفة.

مندسين

فبعد محاولة مندسين -كما أُطلق عليهم- تخريب الحراك وتشويه أسلوبه المدنيّ، وبعد اللافتة التي أثارت بلبلة، دفعت رئيس مجلس النواب نبيه بري الى إقامة دعوى ضد حاملها، وبعد الصور والشعارات وإمتناع بعض القوى عن المشاركة في الحراك كالتيار العونيّ الذي يدعيّ الإصلاح في شعاراته كافة، وبعد تجمهر بعض القنوات ضد الحراك كانت محطة الـ(ان.بي. أن) التابعة لحركة أمل، وبشكل علنيّ ومحاولة زج المؤيدين للحراك في المحاسبة كالصحفيّ محمد زبيب وشيكات نهاد المشنوق، يبرز اليوم مقالا كبيرا، تناقلته وسائل الإعلام، تنقل فيه ان حملة “طلعت ريحتكم” ما هي إلا تتمة للربيع العربي الذي حمل الفوضى الى الدول العربية وممولتهم أميركا دون أي تبرير او تعليل لتأخرّه في الوصول الى لبنان؟

واليوم يكتب الاعلامي العوني جان عزيز في جريدة “الاخبار” التي تنقل يوميا فساد الحكام المناهضين لسياستها، مقالا ينتقد فيه الحراك تحت عنوان “كي لا تتحولوا أصولية مدنية”، إضافة الى رجاء كتبه أحد الزملاء اليساريين أن تكف جماعة الحراك عن إستيلاد حملات إضافية.. إضافة الى رفض العديد من المشاركين في عملية تسمية الفاسدين، الا ما خلا بعضهم، والإستنكاف عن تسمية البقية خوفا ورهبة.

وعلى حد قول الناشط لقمان سليم على صفحته على الفايسبوك: “عن أخي، وصديقي، السَّيّد شبيب الأمين مُخاطِباً ابنَ عمومَتِه السَّيّد حَسَن نصرالله: «صَمْتُكَ يا سَيّد يَقْتُلُني. هَلْ يَسْتَقيمُ أنْ تُفاوِضوا “أحرار الشّام” مَثْنى وثُلاث، وتَدَعوا (“أحرار”) اللبنانيين لِسكاكينِ (الحُلَفاء) “الشّبّيحة؟». نسأل متى ستتحرك كافة أجنحة العمل السياسي ضد المُفسدين إن كانت هي حقا بريئة من الفساد الرسميّ؟

طلعت ريحتكم

من هنا يمكن القول ان الحرب على الحراك باتت تتحضّر لتكون قوة لها إعلامها، ولها مقاتلوها، ولها سياستها، ولها استخباراتها التي تدعمها بالمعلومات.

لكن الملفت ان الإيمان بنجاح الحملات المضادة للفساد ليس قويا لدرجة يمكن أن يثق بها الجمهور اليائس وذلك نتيجة التجارب السابقة مع الأحزاب.

وما يؤكد ذلك ما كتبه المحلل السياسي جهاد الزين من أن هذا الحراك ليس الا مقدمة تأسيسية لحراك قادم أقوى.

هذا الحراك الذي أدخل مفردات جديدة على الحياة السياسية اللبنانية وبعض من الجرأة كان يمكن ان يكون اقوى وافعل لو شاركت فيه قوى كبيرة ومؤثرة كحزب الله الذي الى اليوم لم يصدر بيانا مؤيدا او مناهضا للحراك حتى أن إعلامه لا يُغطي جميع نشاطات الحراك والإعتصام. علما ان لسان حال الجنوبيين والبقاعيين ليس أدنى مستوى من بقيّة اللبنانيين على مستوى المعاناة من الزبائنيّة.

واللافت ان الحرب على الحراك بدأت تكبر وتتسع وأبرزها الهجوم والإتهام بالتمويل الخارجي، وهو إن كان حقيقيّا سيظهر عاجلا أم آجلا رغم أن قوته نابعة من صدقيّة شعاراته وحقيقة الأزمة التي يعيشها المواطن اللبناني مهما كانت خلفيات التحرك.

فهل خافت السلطة على كراسيها من تكرار التجربة المصرية والسورية واليمينة والليبية… أم خافت على اللبنانيين من الفوضى التي قد تخرب البلد، رغم أن فساد الزعماء والسياسيين قد قضى على الوطن وشرد شبابه وشحّذ عوائله وأنهك اقتصاده ورفع مديونيته، وباع مواطنيه الى المحاور؟

السابق
لأول مرة براد بيت يرفض طلب لزوجته!
التالي
هيل من السراي: ليجتمع مجلس النواب وينتخب رئيسا وحكومة