عندما يحل الظلام على «ضاحيتنا الجنوبية»

الضاحية الجنوبية
عندما يحل الظلام على الضاحية الجنوبية، تتحول إلى سجن كبير، وترتفع جدران الخوف ويبسط خفاش الليل وطأته على صدورنا ويمنع الكلام ونُحرم من الحرية.

عندما يحل الظلام على الضاحية الجنوبية يعني أن نموت بهدوء شديد وأن نتنفس ببطء شديد، وأن نذكر الائمة ألفي مرة وأن نذكر النصر والعزة والكرامة عشرون ألف مرة، وأن يرهبنا قطاع الطرق وأن تسلب، الكلمة وينتهك الحرف وتسير خلف القطيع وتقول لبيك بأعلى ما في حنجرتك من صوت.

لبيك يا مافيات الإنترنت

لبيك يا مافيات الساتلايت

لبيك يا مافيات اشتراك الكهرباء.

لبيك ايها الموت على أبواب المستشفيات، لأنّ مؤسسات خفاش الليل يخوضون حربهم في سوريا وقد أخذوا على عاتقهم السيطرة على ما توفره الدولة من تأمينات للمواطنين البسطاء داخل المستشفيات. والدولة توافق على ذلك، فحدث ولا حرج.

عندما يحل الظلام على الضاحية الجنوبية، تكتم الأفواه بكاتم صوت مسدس، ويعلو وقع السلاح، وتنتشر الحواجز، وتقطع الأرزاق وتقفل المحال التجارية، وتنتشر الميليشيا وتقول حيّ على القتال والجهاد، فالنصر من أجل حمايتكم، وداعش تهددكم وسيطرتنا منكم ولكم.

لبيك أيها السلاح المرصوص

لبيك أيها الرصاص المسكوب

لبيك أيها المقاتل الذي أخذ على عاتقه أن يحمي شرف أمّة، منتهكة حرمتها من قبل خفافيش الظلام والطائفية والمذهبية قبل أن تنتهك حرمتها اسرائيل وأميركا وروسيا.

عندما يحل الظلام على الضاحية الجنوبية، على حارة حريك وبئر العبد والليلكي وبرج البراجنة وحي السلم والأوزاعي، فيصير شراء المخدرات داخل الأزقة أسهل ويصير الكبتاغون والبنزكسول متوفر كرغيف خبز، وتظهر لفافات الحشيش أمام مرأى الناس أجمع وتتحول الشوارع إلى دعارة صامتة، وتظهر الفحولة وينتصر الموت.

عندما تتحول الضاحية إلى سيراليون صغيرة، حيث المساجد والحسينيات تصدح بالشباب للجهاد، جهاد من؟ يُصَوَر العقل كرجل دين هرم يخطب بالمذهبية ويتبدل كل شيء إلى أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وإلى قنبلة موقوتة وتُشترى الأولاد ببضعة دولارات، وتغتصب الطفولة. فهم سيرسلون بباصات جميلة إلى أرض بعيدة، ثم يعودون داخل التوابيت العتيقة وهم يحملون أسماءهم، وفي ذاكرتهم يلوح أفق المدرسة، وشكل الطابة ولون دفتر التطبيقات العربية ورائحة الكتب وبضعة اقلام.

هنا لا مدرسة غير مدرسة «الإمام والشهادة» ولا درس غير «الموت».

عندما يحل الظلام على الضاحية، تصرخ الطبقية، وتحاذي الأحياء الفقيرة الأبنية العالية الفخمة، وتُحاصر المناطق بمخيمات فلسطينية مهمشة، وتسهل “الخوات” واستعراض القوة، ويحل الفقر والعوز ويحلو للخفافيش إفقار ما تبقى من الطبقة الوسطى، ويختلط الخير بالشر، ويأتي التهديد والوعيد حتى ترتفع على أعمدة الكهرباء صور شهداء اقرب لأن يكونوا أضحية مجدٍ موبوء.

الضاحية

ها قد انتصرنا !

ها قد حل النصر علينا !

وإعتلت الصيحات !

ومررنا بطريق القدس !

وأُخذ ثأر “ثار الله” !

ورفعت القبضات !

لبيك، لبيك، لبيك

أيها السرطان الخبيث.

عندما يحلّ الظلام الكئيب على الضاحية الجنوبية يصغر الوطن وتتهمش خارطة لبنان ويبدأ الخطر، ويصبح حلم الدولة طي النسيان ويتوسع السجن الكبير ويزداد الخوف.

هذا نداء عاجل من فرد يقبع داخل هذا السجن:

«أنا مسجون داخل جدرانها

انا أتألم

انا يقتلني إبن أمي وأبي بفاشيته ونازيته.

إنا أريد الحرية

إنا أريد أن لا أخاف

إنا أريد أن أقول موقفي عن عقود من التهميش المنظم

فحرروني أنا ومن معي هذا إذا كان حلم قيام الجمهورية حقيقة».

السابق
برنامج صلاة العيد
التالي
اكتمال حضور المشاركين في جلسة الحوار باستثناء الرئيس ميقاتي