مأزق العنف ضد الحراك

نديم قطيش

لا يكشف جديدا القول إن التظاهرات تستدرج عنف الشرطة ضدها. هذه من بداهات التظاهر ومن بداهات الحركات الاحتجاجية. العنف ضدها يفاقم ضحويتها ويعينها على المزيد من التعبئة واستنزاف الرصيد الاخلاقي لأجهزة الأمن بوصفها صورة النظام الذي تواجهه الاحتجاجات والاقرب تماساً معها ومع غضبها وبشرها. تستدرجه وتشتهيه طالما اننا نتحدث عن مستويات “كلاسيكية” من عنف الشرطة ضد محتجين!

الاصبع الذي رفعته الفتاة في وجه دركي مبتسم لها من هول سخرية المشهد، ترفعه في وجه النظام السياسي الذي يمثله الدركي او مجموعة الدرك. وهو لو صفعها سيؤكد لها أن نزولها الى الشارع ينضح بالمشروعية وبالاسباب الموجبة. ما حصل أن غيره صفع غيرها.

لا يفيد اذذاك الدخول في سجال العنف مع متظاهرين مستعدين لشراء العنف ضد انفسهم، ليس لعلة عقلية او نفسية، بل لأن منطق الاحتجاجات يفترض ذلك. وهم وإن مارسوا أي شكل من أشكال العنف الاحتجاجي أو “الثوري”، اللفظي او العملي، يحسبون أنهم يقفون على أرضية أخلاقية اعلى كعباً من خصومهم الذي سيبدون في عنفهم مجرد عتاة وظلمة.

هذه جدلية بديهية لمنطق مشهدية الاحتجاج وآليات العلاقة بين المحتجين والنظام.

مشكلة العنف الاخير الذي شهدته شوارع بيروت ضد مجموعة متضائلة من مجموعات الحراك، أنه عنف عارٍ ضد محتجين على أزمة لم تجد لها السلطة السياسية حلاً ناجزاً بعد. سقطت الحكومة في فخ القمع قبل أن تتوصل الى اقرار خطة الوزير أكرم شهيب أو خوض الصراع بأعلى الصوت بغية الوصول اليه وكشف المعطلين والمستفيدين من إدامة ازمة النفايات بوصفها استنزافاً سياسياً للرئيس سعد الحريري.

لا مخرج أمام الحكومة الا بإقرار الخطة ثم تنفيذها ولو بالقوة، حيث أن الانتظام العام ليس مسألة تعالج بالتراضي وبالتفاوض. ولها ان تستفيد من القبول الذي تحظى به الخطة لدى نخب بيئية ومدنية هي جزء رئيسي من الحراك وهذا يقودنا الى بعد آخر مما يحصل.

بالنسبة لشريحة ضمن الحراك، صغيرة لكن صاخبة، لم تعد المسألة مسألة نفايات، بل مسألة إسقاط نظام سياسي كامل وهذا ما سيدفعها للقول لا لأي اقتراح او اي خطة.

الازمة الثانية أن من هم في الشارع غير ممثلين ضمن مؤسسات النظام السياسي، وبالتالي خسارتهم للاعتراض في الشارع ستعني خسارتهم للمنصة التي من خلالها يشاركون في صياغة الشأن العام، وضد طبقة سياسية فقدوا الثقة بها. هذا شرخ اجتماعي وسياسي كبير يهدد السلم الاهلي اللبناني ولا علاج له الا بالاسراع في نقل النزاع من الشارع الى داخل المؤسسات، مجدداً، عبر إنتخاب رئيس جمهورية إنتقالي، وتشكيل حكومة تشرك الحراك في ملف النفايات، لتحميلهم مسؤولية عن الحل وليس فقط طرح المشكلة والمزايدة على الحلول، بل وتضييع الانتصار الذي تحقق حتى الان كأن شيئاً لم يكن. وثالثاً اجراء إنتخابات وفق قانون الحد الادنى من العصرية دون مبالغات وأوهام مثالية، لا سيما حول النسبية.

خلاف ذلك تدهور بطيء ولكن أكيد نحو الإنهيار الشامل.

(المدن)

السابق
«حزب الله» عاجز أمام آخر «كلم مربع» في الزبداني.. ما أسباب الصمود؟
التالي
الذكرى السنوية الأولى لرحيل الصديق العلامة السيد هاني فحص