ناهض حتر وكوكتيلات بشّار اليساريّة

“إن معظم اللاجئين السوريين خارج وطنهم هم من الفئات غير القادرة على التعايش مع التعددية والنمط الحضاري الخاص بسوريا. وهكذا، فإن خسارتهم لا تُعد نزيفاً ديموغرافياً، في حين ينبغي إيقاف نزيف الكتلة الوطنية المدنية، التي تئن من الهاونات وانقطاع الكهرباء والماء والغلاء وانخفاض المستوى المعيشي حتى اليأس”.

 

هذه الفقرة أنهى بها السيّد ناهض حتر مقاله الأخير في جريدة “الأخبار”، الذي اعتذرت عنه الأخيرة وسحبته من التداول الإلكترونيّ.

 

والحقّ أنّني حين قرأتها للمرّة الأولى، أعدت القراءة بهدف التأكّد! وغنيّ عن القول إنّ الأمر لا يرجع إلى صعوبة أو تعقيد في الفقرة، بل إلى سهولة بالغة. غير أنّها ليست السهولة التي تُنسب إلى القول العفويّ، بل تلك المنسوبة إلى القول الغريزيّ. فحتر يقول ما يقمعه التمدّن عند من يؤمنون بالتمدّن. إنّه يفعل ما فعله ذاك العونيّ المهووس على حسابه الفيسبوكيّ، حين علّق على صورة الطفل آلان كردي التي هزّت العالم، فاكتفى باعتباره عبرة لمن اعتبر ولم يجد في صورته ما يثير أدنى التعاطف!

 

بالطبع ليس ناهض حتر الوحيد، في مجال الصحافة والتعبير، الذي يؤيّد النظام السوريّ. لكنّه يمثّل أكثر كوكتيلات التأييد تفجّراً وسُمّيّةً وبذاءة وتقديماً للخدمات.

 

ولإيضاح المقصود بالكوكتيل، يمكن الاستشهاد بعيّنات عن كوكتيلات أخرى:

 

فهناك مثلاً كوكتيل يتألّف من الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين ورشّةٌ ماركسيّة وأخرى فوضويّة وثالثة سعيديّة، وهو ما يجسّده مثلاً السيّد أسعد أبو خليل. هذا الكوكتيل ينتقد النظام السوريّ من موقع أكثر راديكاليّة بقياسات “التحرّر الوطنيّ” والعداء لإسرائيل والإمبرياليّة. إلاّ أنّه في جميع المواقف الأساسيّة والفاصلة يحشر نفسه في معطف بشّار الأسد.

 

وهناك كوكتيل يجمع بين الناصريّة وحبّ حزب الله، عبّر عنه مؤخّراً الصحافيّ المصريّ العامل في “المنار” السيّد عمرو عبد الهادي ناصف. وهذا إنّما يسلك إلى تأييد الجزّار السوريّ طريقاً أقصر من طريق أبو خليل، وإن كانت أطول قليلاً من طريق حتر.

 

وهناك بالطبع الكوكتيلات الكثيرة لأنماط من اليسار الشيوعيّ، العربيّ منه وغير العربيّ، حيث تتفاوت مقادير العداء لأميركا والعداء للرأسماليّة والنوستالجيا السوفياتيّة.

 

وأصحاب هذا الكوكتيل يتجرّأون “نظريّاً” على بشّار، معتبرين أنّ خطيئته الأساسيّة نيو ليبراليّته وخيانته اشتراكيّة أبيه. بيد أنّهم، “في الممارسة”، لا يجدون بديلاً عنه وعن “تصدّيه”!

 

أمّا حتّر، وهو صحافيّ أردنيّ ومسيحيّ نما وترعرع في الحزب الشيوعيّ الأردنيّ، فتشخيصٌ لكوكتيل غريب واستثنائيّ. ففيه يجتمع الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ واليساريّة الشعبويّة وعدد من التعصبات الأهلية التي يفترض أن لا صلة لها بأي يسار. وهو، في هذا، يمثّل أقلّ الكوكتيلات حرجاً في تأييد القاتل السوريّ لشعب ليس قوميّاً سوريّاً ولا يساريّاً ولا علمانيّاً، بل هو مسلم ويشبه الفلسطينيّين.

 

وإذا كان الكوكتيل الأوّل دونكيشوتيّاً في هجاء “الرجل الأبيض”، فهو دونكيشوتيّ في طلب “العملقة” التي تستوحي “الرجل الأبيض”.

 

وإذا كانت بقيّة الكوكتيلات تدبّج فذلكات نظريّة لكي توصل تحفّظاتها التي لا يُعتدّ بها، فالكوكتيل الحتريّ لا يفكّر في أمور كثيرة، بل يدرك أنّ المطلوب واحد.

 

هذا المسمّى ناهض حتر يدلّ إلى الأفق الوحيد المنسجم، بل الطبيعيّ، للوقوف “بحضاريّة” تحت نعل الأسد. هذا أصدق الكوكتيلات.

(.NOW)

السابق
لماذا قررت موسكو وطهران قلب الطاولة في سورية؟
التالي
هل ستنفذ خطة شهيب بمؤزارة القوى الأمنية؟