للمحاسبة معبر إلزامي نزع السلاح

إذا كان الجنرال ميشال عون يعتقد أن تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية على النحو الحاصل سيؤدي حكماً الى اختياره، فهو واهم. وإذا كان يعتقد أن تعطيل الحكومة وابتزاز رئيسها سيفتح أبواب “اليرزة” لصهره العميد شامل روكز، فهو واهم أيضاً. وإذا كان يعتقد أن التعامل النزق مع الخصوم، كما حصل البارحة، حول طاولة الحوار مع وزير الاتصالات بطرس حرب يعكس صورة مرشح رئاسة قوي وموثوق به فهو واهم أيضاً وأيضاً.

نقول ذلك، لأن التوازنات القائمة في البلاد لا تسمح لـ”حزب الله” والمحور الذي يندرج فيه بإيصال رئيس ينتمي إليه عضوياً. فالجنرال عون جزء من انقسام البلد العمودي، وهو عنصر تفرقة وتصادم وتوتر أكثر مما هو عنصر توافق وتلاقٍ وتفاعل ايجابي مع مختلف مكونات البلاد. فعون عاجز عن أداء دور الموفق والرابط بين المختلفين والمنقسمين، مثلما هو عاجز عن مخاطبة الفريق الآخر بلغة سوية سياسياً، وبالتالي فإن وصوله الى سدّة الرئاسة يرفع من منسوب الصراعات والتوترات بدل أن يضبطها. أكثر من ذلك، إن من لا يحتمل حراكاً مدنياً مطلبياً حقيقياً في البلاد، ويصطدم به كما اصطدم عون، لا يصلح لأن يكون رئيساً حاضناً وأباً لجميع اللبنانيين.
في مستوى آخر، يستحيل اللحاق بنظريات “خفيفة” كالدعوة الى انتخاب الرئيس من كل الشعب، أو الدعوة الى تقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية، مع الطلب الى مجلس تتبدل المواقف منه وفقا للمصلحة الشخصية وضع قانون جديد للانتخابات. فاللعب بالدستور اليوم، يدخل البلاد صراعات جديدة تولدها اجندات الطوائف المتناحرة في ما بينها. وإذا ما انفتح الباب فقد لا يقفل إلا بعد انفجار صراع كبير.
إن القوى السياسية المتحكمة في اللعبة السياسية في البلد مدعوة الى العمل بجدية على وضع جدول أعمال للتخفيف من احتقان المواطن، حتى لو لم يرتق جدول الأعمال المشار إليه إلى مستوى “التسوية” الكبيرة. والبداية بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون توافقياً ومحايداً، بما يفسح في المجال أمام انتظام وإن جزئي لعمل المؤسسات، مع استقالة الحكومة الحالية، وتشكيل أخرى تكون مهمتها التحضير للانتخابات المقبلة وفقاً لقانون جديد حدّه الأقصى أن يزاوج بين النظامين الأكثري والنسبي.
لا حل امام اللبنانيين اليوم إلا بسلوك الطريق المنطقية لحل ما أمكن من أزماتهم. أما أزمة النفايات ففي طريقها الى الحل ولا ترتبط بالصراع السياسي الكبير في لبنان. وأما محاربة الفساد على النحو الذي يتمناه اللبنانيون “القرفانين” فمسار طويل ومعبره الإلزامي نزع سلاح “حزب الله” غير الشرعي الذي يعطل كل إمكانية لقيام دولة قانون ومحاسبة. ومن دون نزع السلاح غير الشرعي، لن تكون لحراك الشارع المدني وهو الممثل الأمين للمزاج اللبناني، إمكانية التصدي لمهمة بناء الدولة، وبسط سيادة القانون على جميع اللبنانيين. فكيف تريدون أن تطبقوا شعار محاسبة المسؤولين المرتكبين عندما يكون بينهم من يضع نفسه فوق البشر؟

(النهار)

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الخميس في 10 ايلول 2015
التالي
الشيوخ والشباب والحِراك