السيّد محمد حسن الأمين: الغضب الشعبي حقّ طبيعي لـ«الّلبنانيين»…

تفاجأت الأوساط السياسية والاعلامية بمدى الحشد والتأييد الشعبي الذي ظهر في تظاهرتي 19 آب و9 أيلول أمس التي دعا اليهما المجتمع المدني اللبناني بعد سلسلة من تحركات شعبية ردا على ازمة النفايات والازمات المعيشية الاخرى، والملاحظ ان شعارات سياسية وطنية رفعت ضدّ دولة المحاصصة الطائفية التي يتقاسم فيها الزعماء المصالح والمغانم ضاربة عرض الحائط سيادة القوانين والقواعد المرعية التي تتبعها الدول في تنظيماتها الحديثة من اجل تامين مصالح شعبها.

نسأل العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين عن رأيه بهذا الحراك الشعبي المطلبي، والذي تعداه للمطالبة باصلاحات سياسية حسبما ظهر في شعارات المتظاهرين، فيجيب سماحة السيّد: “ربما كانت مثل هذه التظاهرة المباركة هي من التظاهرات النادرة في لبنان إذا استثنينا التظاهرة الكبرى في 14 آذار 2005 التي قامت بوجه الهيمنة السورية بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري، ولكنها هنا لم تكن لدوافع عاطفية، وطبعاً لم تكن لدوافع طائفية، وإنما لأول مرة تقوم لدوافع اجتماعية ثم فيها هذا الانصهار الوطني الذي أشرنا اليه سابقاً بأنه يشكّل المدخل لحلول الأزمات الوطنية والاجتماعية في لبنان ويضع النظام السياسي على سكّة اجتماع المواطنة وليس الاجتماع الطائفي، فإن أفضل وسيلة للانتقال إلى مجتمع المواطنة هو وحدة الشعور بالأزمات الاجتماعية التي تواجه الوطن بجميع فئاته وطوائفه.ولكن ليس من السهل القول أن هذه التظاهرة وجهت ضربة قاسية لنظام الطوائف لأن التحول المنشود من الطائفية إلى المواطنة يتطلب مزيداً من تراكم الحراك الشعبي الوطني والذي من شأنه أن يدخل في وعي اللبنانيين جميعاً أن الطريق أمام لبنان الطائفي هو طريق مسدود، وأن التحوّل والإصلاح الوطني لا طريق له سوى السّعي لتكريس مفهوم المواطنة لدى اللبنانيين”.

 
وعن المخاطر التي يواجهها هذا التحرّك الشعبي ومحاذير إفشاله، لا يستبعد السيّد الامين ذلك فيقول: “وإذا كان ثمّة خشية أو ضرر في هذا المجال هو ان يعمد سدنة الطوائف والمستفيدون منها إلى تحويل مثل هذا الحراك لشكل من أشكال الصراع، ففي تاريخ لبنان هناك محطات كثيرة عمد فيها النافذون الطائفيون إلى تحويل الحراكات الوطنية إلى صراعات وإلى إثارة العصب الطائفي مجدّداً الذي يؤدي وأدّى إلى حروب أهلية. لكن بوسعي القول أن تجربة الحرب الأهلية اللبنانية الأخيرة، سيكون لها دور فاعل في رفض المواطنين للاستدراج إلى مثل هذه اللعبة الخطيرة، ومن هنا فإني أحمّل النخب الفكرية والسياسية ورجال الدين خاصة مسؤولية التصدي لأي محاولة تستهدف تحويل هذا الحراك إلى حراك ذي طابع فئوي أو طائفي، بل أطالب بضخّ الأدبيات الدينية والثقافية التي تواكب هذا التحرّك، وتعزّز فيه الروح الوطنية الاجتماعية”.

 
وحول جدليّة القيادة والكلام عن وجوب وجود قائد حذّر السيد الامين بقوله” أنا أعتقد أن كلّ شعور بالخطر على نفوذ الجماعات السياسية الكبرى في لبنان سوف يؤدي بطبيعة الحال إلى ردود فعل تعمل على التهويل واختراع المخاطر الناجحة على التحركات الشعبية غير المرتبطة بهذه القوى السياسية، أما لجهة أن لا يكون هنالك قائد لمثل هذا التحرّك المدني، فهو في نظري العنصر الأهم والأكبر في هذه التحركات، لأن كل تحرك يبدأ بتبني زعامة معيّنة سوف يكون عقبة في سبيل هذا اللقاء الوطني اللبناني المتعدّد وسوف يحوّل التحرّك باتجاه أغراض سياسة لا علاقة لها بالمضمون الحيّ الذي يستهدف النظام السياسي بكامل رموزه.إن القيادات لا يتم تعيينها في انتفاضات كهذه الانتفاضة، لا يتم تعيينها سلف وإنما قوله بصورة طبيعية في سياق هذا التحرّك، وعن الشباب: وأنا لست من المؤيدين لمبدأ الثورة في أي مجتمع من المجتمعات، بل من الداعين إلى الإصلاح ولكن عندما يتعذّر هذا الإصلاح بسبب هيمنة الطبقة السياسية والعناد من قبل السلطات تصبح الحركات الثورية أمراً محتماً، وهذا ما ينطبق على اجتماعنا السياسي في لبنان”.

 
وعن تفسيره لقيادة الشباب لتلك التحركات والمظاهرات المطلبية وما اذا كان يؤيّد قيادة الشباب، فان السيّد الأمين يشجّع  أن يكون عنصر الشباب هو الأكثر بروزاً في هذا التحرّك فيقول ان “هذا هذا أمر طبيعي لان عشرات الآلاف من شباب ومن شبان لبنان الذين يرون أبواب المستقبل مسدودة أمامهم يرون أن سبب ذلك هو غياب الدولة واقتسام نفوذها وامتيازاتها وإغلاق أبواب الأمل في وجه هذا الجيل الصاعد والذي يبحث عن فرص العمل والعيش الكريم في هذا الوطن، ولا أدري إذا كان هناك نهضة في العالم كله لم يكن اعتمادها الأساسي على عنصر الشباب”.

 
ويلفت السيد الامين لمسألة الترابط بين الاصلاح الاداري والاقتصادي بالنسبة لمسألتي النفايات والمحاسبة فيقول”إن ظاهرة الفساد وصرف المليارات من قبل النافذين بما يعنيه ذلك من فساد سياسي على اعلى المستويات، وكذلك ما شهدناه مع تصاعد أزمة النفايات، ما يدلّ على شبكة كاملة من الفساد، فلا يمكن الإصلاح دون رؤية خطة شاملة يأتي على رأسها مواجهة الفساد “المالي – السياسي”، وهذا يدخلنا في السؤال المطروح دائماً حول إمكانية الإصلاح الاقتصادي والاداري دون إصلاح سياسي وهو غير ممكن برأيي، ولذلك نجد أن خطاب المتظاهرين المدنيين يتجه إلى صلب القضية بإصلاح أو تغيير النظام السياسي.إن التجزئة هنا بين المشكلات لمواجهتها وإصلاحها لا يمكن أن يتم بدون توفر عقلية الدولة والمؤسسات الوطنية السلمية الخالية من الفساد، وليس من المبالغة القول بأن صور التحايل على حل هذه المشكلات هو مغامرة لا يجرؤ على خوضها إلاّ بنية سياسية مغامرة، فهل يراد للبنان أن يدخل من جديد حرباً جديدة، وهل يجهل السياسيون النافذون مغبة هذه الحرب؟ أو هل انهم لا يشعرون في خطرها ما دامت تنتهي دائماً إلى تعزيز العصب الطائفي؟

 

 

ويختم السيد الامين بقوله “إن الغضب الشعبي هو حق طبيعي للّبنانيين وهذه ليست دعوة للعنف، ولكنها دعوة للإصرار على كل أشكال التحرك التي من شأنها أن تعزز فكرة المواطنة التي تحدّثنا عنها والسير في شروع قيام مؤسسات الدولة القوية والقادرة، المستقوية بولاء شعبها لإنهاء هذا العبء الوطني الكبير والجاثم على صدر اللبنانيين وهو عبء دولة المحاصصة”، سواء منها السياسية أو الطائفية.ولذلك فنحن نطالب المجتمع المدني والشباب فيه بالإصرار على هذه المسيرة الإصلاحية التي نريدها شاملة ومهابة بالمعنى الشعبي والسياسي. وفي الخلاصة فإني ومن خلال رؤيتي للتاريخ وللحركات لدى الشعوب فإنني على يقين بأن التحوّل والتغيير هو أمر حتمي، وكل ما في الأمر أننا مع المحافظة على مدنية وسلمية هذا الحراك، فنحن لا نريده عن طريق العنف والاقتتال”.

السابق
مواطنة في عكار ضحية جديدة للعاصفة الرملية
التالي
أكرم شهيب: سوبرمان أو «خزمتشي»؟