كتاب «شعوب الشعب اللبناني».. اللبنانيون بتناقضاتهم

شعوب الشعب اللبناني
هذا الكتاب الصادر حديثاً (عن دار الساقي في بيروت وفي طبعة أولى 2015) يوضح كاتباه في نصّ تقديمه أنهما "ما بين أوائل 2013 وأواسط 2014، قمنا بـ13 جولة صحافية، في مناطق لبنان بدأناها بطرابلس وأنهيناها بمرجعيون.

أظهرت التحقيقات الميدانية التي أجرياها معاً، الكاتب والمعلّق السياسيّ حازم صاغيّة، والكاتبة والصحافية بيسان الشيخ، بأنّ واقع التّفتُّت الطائفي الذي يعيشه اللبنانيون، ومنذ زمن بعيد جدّاً، باعد فيما بينهم، إلى درجة أنه جعلهم “شعوباً مناطقيّة متفرِّقة”، “يصعب أن تجتمع على شيءٍ، كما تجتمع على تناقضاتها”، “وهذا ما يقرّره الكتاب المشترك الذي جمع التحقيقات المذكورة (وعددها ثلاثة عشر تحقيقاً) تحت عنوان: “شعوب الشعب اللبناني (مدن الطوائف وتحوّلاتها في زمن الحزب السورية)”.

وهذا الكتاب الصادر حديثاً (عن دار الساقي في بيروت وفي طبعة أولى 2015) يوضح كاتباه في نصّ تقديمه أنهما “ما بين أوائل 2013 وأواسط 2014، قمنا بـ13 جولة صحافية، في مناطق لبنان بدأناها بطرابلس وأنهيناها بمرجعيون، وقد نُشرت جميعاً في جريدة “الحياة”، ويضيف الكاتبان: “وتأكّد لنا أن بعض ما كنّا نعرفه (عن الواقع اللبناني) صحيح وبعضه خاطئ. لم نكن، مثلاً غراء عن واقع التّفتّت الذي ينتظم طوائف لبنان ومناطقه.

إلاّ أن جولاتنا أقنعتنا، فيما الانهيارات الجيولوجيّة تضرب مجتمعنا، بأنّ التفتت هذا يرقى بـ”الشعب اللبناني” أو ينحطّ به، إلى سورية شعوب، شعوب يصعب أن تجتمع على شيءٍ، كما تجتمع على تناقضاتها”. وهكذا – وعلى هذه الخلفية – نقرأ في هذا الكتاب، بأن طرابلس تحولت الى مدينة سلفية بحيث أصبحت «عاصمة الشمال» و«على العموم، مدينة لا تعمل ولا تلهو، إنها تصلي وتقاتل»؛ و«النبطية قلعة حزب الله»، «والحال ان الصور المتعددة الأحجام والألوان، التي تستقبل قاصد النبطية، ترسم لوحة «بليغة» لهويتها السياسية»؛ و«زغرتا أو الاستثناء الماروني»، تتميز بالحضور الثقيل الوطأة لمؤسس هذا الاستثناء، يوسف بك كرم، في الوعي الزغرتاوي، هذا الحضور الذي هو علامة لا تخطئ على «فائض التاريخ» في هذا الوعي»، و«بعلبك بوابة سوريا وحربها، إذ انه وبطبيعة الحال، «ارتبطت بعلبك، ارتباطاً وثيقاً وتقليدياً بسوقي حمص ودمشق، لكن الشهابية أتاحت لها التحول، بوابة مشرعة على سوريا، وبوابة سورية «مشرعة» على لبنان»؛ و«بشري: جبال القوات اللبنانية وكهوفها، فبشري تتبدى مثقلة بالرموز التاريخية (الدينية والزمنية)، فهي بلدة ذات طاقة جبارة على تديين الزمني»؛ و«الشوف: جنبلاط أولاً وأخيراً»، «فوليد جنبلاط ـ وبالرغم من كل التحولات التي شهدتها تلك المنطقةـ يبقى الأول هناك، ويبقى الأخير، ثابتاً، راسخاً، كما لو أنه من طبيعة الأشياء».

حازم صاغية بيسان الشيخ

و«جزين: بؤس التعايش». إذ إن جزين مصغر لبنان في الهشاشة حيال خارج مضطرب؛ و«زحلة: مشكلة الهوية الدائمة»، ذلك أنه «يصعب أن يفهم لبنان القديم من دون أن تفهم زحلة، فهي، مصغره، المكان الذي سريعاً ما تغدو مشاكله الداخلية عابرة للحدود»؛ و»التعدد الصيداوي كعبء على أهله»؛ ذلك أن مدينة صيدا «تحرق الماضي، هي التي يستغرقها الحاضر، مثلها مثل معظم المدن والمناطق المسلمة السنية»، وصيدا في إحراقها الماضي، تروح تبدع يوماً بيوم قواها وسياساتها، هذا بينما «لا شيء يحصل على السطح في صور»، والتي هي المدينة «التي تكاد تكون البوماً تتعاقب صوره كي تسرد تاريخنا»، «فما من شيء يحدث في صور، لكن تحت السطح الصوري يحدث كل شيء، فيما تتلاحق الصور التي يأتي بعضها من التاريخ، وبعضها مما تسقطه الذاكرات أو تضيفه، بينما يرد بعض ثالث من خرافات محضة. فهي مواض متزاحمة ومتنافسة، وروايات متعددة عن واقع واحد، تتجاور وتتلاصق، وأن تمنت واحدتها طرد الأخرى».

أما «البترون بلاد البين بين» هي، فهي «تقع في مكان انتقالي وفي زمن انتقالي ايضاً. ومع أنها أصغر من مدينة أكبر من بلدة، كذلك تحسب جزءاً من الشمال، إلا أنها موصولة، بجبل لبنان، فهي إذاً منطقة فاصلة، جعلتها أزمنة الحرب منطقة حدودية.. هكذا يلوح قدر من الحيرة والقلق في نظرة البترون إلى ذاتها». و«كسروان: البحث عن المعنى الضائع»، لماذا؟ «لأن ثمة دهشة بالعالم تضرب كسروان، ذاك القضاء الذي يعد من أصغر المناطق المارونية في لبنان، ولا شك في أن هذا الصفاء، اضطلع بدور أساس، في تعزيز اكتفائهم الذاتي، «واللافت أنه حين انفجر الوضع السوري، تأكد للكسروانيين، صواب انكفائهم واكتفائهم، واتسعت دائرة الكلام عن فدرالية، ترسخ مسافتهم وتسهر عليها»؛ على أن العنوان الأخير هو: «جديدة مرجعيون.. أو أن تكره السياسة» و«جديدة مرجعيون، لا تنفعل ولا تغضب، هي تمقت السياسة ولديها صيغ كثيرة في إعلان مقتها هذا. وحين يتناول أهلها التطورات الكبرى لتاريخهم، يبدون كمن يؤرخ ببرودة الجيران، أحداثاً حصلت في غرفة نومهم، فوق هذا، تراهم دائماً يصورون تلك الأحداث، كما لو أنها فاتت وصارت وراءنا، فالحقب الحادة المثيرة للانفعال أو للانحياز، وتاريخ جنوبي الجنوب كله كذلك، يعالجونها بنزعة تكاد تكون سويسرية».

السابق
هل فعلاً بيرين سات «سمر» حامل؟
التالي
مقتل شاب بحادث سير في النبطية