الحنفيّة…

سأحاول تبسيط المسألة قدر الإمكان. الهدف من هذا النص هو الفهم وليس القدح والذم والتحقير. كما أنني لست أدعي المثالية والكمال أو الوصول إلى الحقيقة المطلقة.

 

ما سأطرحه مجرد بناء هرمي يستند في أساسه إلى نقد ونقض المصلحة الشخصية المفرطة والأنانية و”الملكية الخاصة” بما فيها ملكية الشعب والأرض ورأس المال واحتكار السلطة بالقوة الميليشياوية، والأهم من هذا، نشر الخرافة الدينية على نطاق واسع في عقول الجماهير.

 
المعيار العامودي هو معيار طبقي، بينما يشكل المعيار الأفقي معياراً طائفيا. الأول يجمع والثاني يفتت ويشتت. الأول صلب وواقعي وأما الثاني هش ومطاط.

 
إذا، المعيار الطبقي يسمح ببناء تحالف عريض شعبي وتحقيق المطالب المعيشية للأكثرية بينما المعيار الطائفي ينتهي بتشكيل خلايا ومجموعات غير متوافقة الأهداف ومسلوبة الإرادة.

 
النقاش المحتدم الأبرز بين الناس حالياً هو حول إمكانية إنتقاد حسن نصرالله وإشراكه ضمن الزعماء الفاسدين الذين نهبوا البلد لمصالحهم الخاصة.

 

إنقسم الناس بين مؤيد وبين معارض للفكرة. اللافت أنه بإمكاننا أن نلاحظ شخصين من نفس الطبقة الإجتماعية، ويعانيان الحرمان ذاته، ومنقسمان حول هذه النقطة. وهذا ما يرجعنا إلى البداية حيث قلنا بأن التقسيم الأفقي المغلف بالطائفية يعمل على تشتيت المواقف وتفتيت الإرادات بين أبناء الطبقة الواحدة، وليس من قبيل الصدفة، أنهم يعانون ذات المعاناة الإجتماعية والإقتصادية.

 

أما التقسيم العامودي المرتكز إلى أوضاع إقتصادية فإنه يعري المسألة ويوضحها ويزيل الغشاوة عن أعين الجماهير، فلا تبقى أيّة سلطة عقائدية دينية قادرة على تمييع الصراع وتحريفه وتوجيهه نحو مسارات وهمية لخدمة مصالحها ومكانتها وبالتالي إفشال الحراك الشعبي، الذي يؤدي، حتماً، وفي كل مرة، إلى الحفاظ على ما هو كائن لها.

 
لنتخيل سوياً مبنى مؤلف من ثلاث طبقات. الطابق الثالث يسكنه الحكام والسياسييون والهيئات الإقتصادية التي “تطاع ولا تطيع” وأصحاب الرأسمال والإكليروس “مصطلح قديم لكنه مضحك”. أما في الطابق الثاني فيسكن الأغنياء والطبقة الوسطى والبرجوازيين. وطبعاً، يعيش الشعب من عمال وفلاحين وأصحاب مهن والموظفين والفقراء والمهمشين والمعدمين وغيرهم في الطابق الأول.

 
تربط هذه الطوابق مجموعة من الأنابيب من الاعلى إلى الأسفل، وكل أنبوب مخصص لحاجة معينة فمنها أنابيب المجاري والغائط والبراز والبول والنفايات والفتات والمساعدات ومنها المال والذهب والفضة والأكل والرفاهية والأدب والفن والثقافة ألخ. يتحكم سكان الطابق الثالث بالمبنى الصغير عبر حنفيات يفتحونها لمن يريدون وساعة يشاؤون، يحددون الكمية والنوعية والمصب، ويقطعونها حين يدركون أهمية العقاب. يتبعون سياسة العصا والجزرة. بالتأكيد سكان الطابق الثاني هم الأكثر تأثيراً من الناحية العملية على المبنى بأكلمه لأنهم صلة الوصل بين ما يريده مالكو الطابق الثالث وما يجب تنفيذه من قبل القاطنين في الطابق الأول. لا ننسى أن نصف عدد الحنفيات موجود في الطابق الثاني، حيث يمارس سكانه أيضا تقشفاً وتقنيناً في عطاءاتهم لسكان الطابق الأول. الطابق الاول لا حنفيات له، إذ لا شيء تحتهم إلا التراب والموت.

 
على عكس الأبنية الهنسية(الأهرام مثلاً) التي تكون قاعدتها عريضة وسقفها منحسر، نجد أن هذا البناء بني بعكس قوانين الطبيعة وبعكس النظريات الرياضية، فنجد أنه أشبه بمثلث قاعدته العريضة في الأعلى بينما يستند على رأسة إلى الأرض. إنه هرم مقلوب، ذلك أن ضخامة الإحتياط والإنتاج والمردود مملوكة من قبل سكان الطابق الثالث، ومن غير الطبيعي أن يكون العكس. لذلك تصبح الثورة ضرورية من أجل إعادة الأمور إلى طبيعتها، ومن أجل إعادة تموضع المثلث بشكله الفرعوني الأصيل المستند إلى قاعدة عريضة متينة وصلبة تربطها علاقات المساواة.

 
أين يمكن أن نضع السيد حسن نصرالله في هذا البناء؟
طبعاً سيخرج علينا فهلوي ليقول لنا بأن السيد لا يعيش في أي طبقة من الطبقات وبأنه زاهد يعيش تحت سابع أرض. إنه كلام عاطفي بامتياز. إننا بصدد تصنيف مادي علمي ينكر كل محاولات التضليل الميتافيزيقي الغيبي الخرافي. من الصعب تصنيف السيد حسن بانتمائه إلى سكان الطابق الاول لعدة أسباب منها، أنه شخص غير مرئي، لا يعمل، غير مضطهد، لا بل هو رئيس لأكبر الأحزاب اللبنانية ضخامة في المال والبشر والعسكر. وطبعا لا يمكننا أن نموضعه مع سكان الطابق الثاني ذلك أنهم نفعيين جداً واستغلاليين كما أن موقعه لا يخوله أن يلعب دور الوسيط والوساطة.

كم بقي من إحتمال؟ واحد؟
قد تتفاجئون بأن الإحتمالات الباقية إنما هي: إثنتين.

 
إما أن يدرج مع سكان الطابق الثالث من السياسيين والحكام والزعماء والهيئات الإقتصادية، علما بأن هذا التموضع مرفوض من قبل مؤيديه باعتبار ان السيد ليس زعيما ولا سياسيا وإنما رجل دين!!

 
يبقى الإحتمال الأخير: السيد يعيش في السماء ومن هنا تتجلى الألوهية بشكلها الصريح والواضح فلا يمكن ان يكون السيد أرضياً. الأرض والمادة للبشر الوسخين المثقلين “بالأنا”، أما السماء فهي من نصيب الآلهة والزهاد والمترفعين عن هذه الدنيا. الأرض للعبيد والسماء للمعبودون.

 
حسناً. كي لا نجرح مشاعر البعض، لنبتعد قليلاً عن سماحته. لنأخذ مثالاً أخر: إنه الشيخ نعيم قاسم، ولنحاول أن نكتشف مدى إنغماسه في الأرضيات، بحساب بسيط لما يمتلكه من أموال ومصالح خاصة، دون أن ننسى بأنه أحد أهم منظري وإيديولوجي حزب الله.

 
إن محاولة البعض نقل المشكلة من الأرض إلى السماء لهو كذب ونفاق. ولا يمكن إختراع تصنيفات جديدة وطوابق خاصة للأشخاص تتناسب وهالتهم وشعبيتهم. الكل يستخدم الحنفية في تعاطيه مع جمهوره وهذا ما يجب تحطيمه.

السابق
المشنوق: حل الأزمة يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية وليس في الشارع
التالي
هل فعلاً بيرين سات «سمر» حامل؟