سقف الحوار تمديد «التهدئة»!

ما من شك في ان الحراك المدني (بصرف عن اسئلة كثيرة حوله لا تزال تحتاج الى اجابات) حرك الساحة اللبنانية القابعة في غرفة الانتظار الاقليمي. وما من شك في ان نجاح الحراك المشار اليه في استقطاب شرائح متعاطفة عابرة للطوائف اربك كل القوى السياسية الكبرى في البلد، ودفعها الى التفكير جديا في ان استسهال البقاء في حال المراوحة على النحو الذي جرى التفاهم عليه ضمنا مع تشكيل الحكومة الحالية يمكن ان ينقلب عليها ويزعزع مواقعها في اكثر من مكان. ومامن شك في ان القضايا المرفوعة من خلال الحراك المدني تحظى بشعبية مع وصول النفايات الى عتبات البيوت في كل مكان.

كل هذه العوامل تؤكد ان الحراك فعل فعله في ايقاظ شعور وطني اجتماعي لا يزال في بداياته، لكنه بات موجودا وعلى القوى السياسية الكبرى ان تضعه في حساباتها من الان فصاعدا، بحيث انه صار لزاما استحضار البعد الاجتماعي في الحياة اللبنانية الوطنية الى جانب الصراع السياسي الكبير الذي لا يزال رغم كل ما حصل منذ بدء الحراك المدني يقسم اللبنانيين عموديا.
دعونا لا نتوهم اليوم ان الحراك المدني الواسع الاستقطاب بحدوده الاجتماعية قادر على تحقيق اختراق حقيقي في طبيعة الصراع السياسي الاكبر بوجهه الطائفي والمذهبي الحاد. بمعنى آخر، لا تزال امام الاستقطاب السياسي المعطوف على الطائفي والمذهبي، أيام طويلة قبل انتصار المواطنية اللبنانية الواحدة التي تتغذى اولا من المسألتين الاجتماعية والاقتصادية التي لا تفرق بين هذه الطائفة وتلك. نعم، لقد حركت الاحتجاجات المياه الراكدة، لكنها كلما وسعت نطاق حركتها واستقطابها ستقترب من نقطة احتكاك مع القوى الكبرى في البلد التي لا تزال تمسك بخيوط الحياة السياسية والاقتصادية، وبالتالي الاجتماعية في البلد. فلا يستخفن احد بقوة الاستقطاب الطائفي المذهبي الذي يمكن في لحظة من اللحظات ان يطل برأسه لتذكير الحراك المدني بان أحقية القضايا المطروحة غير كافية لاحداث تغيير فوري.
وفي هذا الاطار يأتي الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في التاسع من الشهر الجاري ليعكس تفاهما بين مكونات التركيبة اللبنانية العميقة، ان لبنان يحتاج الآن الى جرعة “مهدئات” لامرار الوقت في انتظار “التسوية” الاقليمية المنتظرة.
ان الحوار الذي دعا اليه بري لن يأتي برئيس، فالاشارة الخضراء لم تضأ بعد. لكنه بمثابة تمديد لـ”التهدئة” التي لا ترقى الى تسوية، واطار يحمي حل المشاكل الطارئة التي لا تحتمل الانتظار مثل قضية النفايات. والحال ان حل موضوع النفايات على المديين القريب والمتوسط يخفض مستوى الاحتقان الاجتماعي بما يمكن لبنان من امرار مرحلة انتظار “التسوية” الاقليمية التي تبدأ بإختيار رئيس جديد للجمهورية، ليليها الاتفاق على قانون انتخاب، فإنتخابات نيابية تحرسها “التسوية” الاقليمية الموعودة.

(النهار)

السابق
شوائب الحِراك وحسَناته
التالي
قوى الامن: توقيف 61 مطلوباً بجرائم مختلفة أمس