صحيح أنّ مناسبة ذكرى اختطاف الإمام الصدر، لها ثقلها المعنوي والروحي في وجدان جمهور أمل بالخصوص، ومعظم الجمهور الشيعي واللبناني بالعموم، إلاّ أنّ هذه المرة ليست كسابقاتها من المرات الـ36 مع مراعاة أيضا غياب إحيائها في العامين المنصرمين والاكتفاء بكلمة متلفزة للرئيس بري.
من هنا كان لا بدّ من البحث عن السبب الخفي الذي وقف وراء شدّ العصب الحركي الى هذا المستوى الغير مسبوق، ولعلّ واحدة من الاجابات عن هذا السرّ يكمن بما أرسله إليّ أحد الأصدقاء الحركيين بعيد انتهاء المهرجان حينما قال برسالته: “خليكن قولوا إنو الحركة خلصت! وإنو الحزب أكلها”.
إنّها إذًا الحاجة إلى إثبات الذات، وحالة ما يشبه الدفاع عن النفس متصاحبة مع غريزة حب البقاء، والتمسك بالحياة في مقابل الموت. هذه الصفات الانسانية كلها هي نفسها التي يمكن أن تصيب الأفراد. فإنها تصيب الجماعات كذلك، فأبناء حركة أمل يتلمسون يوميًا محاولات افتراسهم من قبل حليفهم المفترض حزب الله، الذي استطاع بامكانياته الهائلة وماكنته الاعلامية الضخمة أن يصور نفسه بأنّه الممسك الوحيد بقرار الساحة الشيعية.
وصار أمين عام حزب الله ومنذ سنوات يعتبر نفسه الناطق الرسمي الوحيد بإسم الطائفة، ناهيك عن محاولات الحزب جرّ الجميع خلف خيارات أثبتت السنون خطأها. وفي مقدمة هذه الخيارات هي الدخول بالحرب السورية، وما يتحمله الشيعة من تبعات هذا الخيار الذي لم تكن حركة أمل لترضى به.
الحشود الكبيرة التي اجتمعت في ساحة الإمام الحسين بالنبطية، إنّما كانت تهدف الى إرسال رسالة واضحة الى حزب الله
كما وأنّ اصطفاف حزب الله الى جانب ميشال عون الخصم اللدود للرئيس بري، والإعلان الصريح والمفرط بالكثير من الأحيان، عن تأييده والذهاب معه في معركته “العائلية” على حساب تعطيل الدور السياسي لرئاسة المجلس النيابي، هو أيضا واحدة من الاسباب التي ساهمت باضعاف حركة امل على الساحة السياسية. واشعرت جمهور الحركة بحالة من الامتعاض، وخلقت مسافة نفسية بينها وبين جمهور الحزب نتلمس تفاصيله يوميًا في القرى والمدن الجنوبية.
وفي السياق عينه، جاء استهداف سمعة حركة أمل من قبل من سمّاهم الاعلام بالمندسين ومثيري الشغب في ساحة رياض الصلح، ومحاولات إلصاقهم بالحركة التي تؤكّد بدورها وبإصرار، أنّ لا علاقة لها بهم وبأنّهم من سرايا المقاومة المؤتمرين من حزب الله. وباعتبار هذا الموضوع بمثابة هجوم غير مسبوق من قبل حليف لا يتورع برأي الحركيين عن تشويه صورة الحركة من أجل أهدافه هو.
هذه المعطيات وغيرها، تفسر وبشكل جلي أنّ الحشود الكبيرة التي اجتمعت في ساحة الإمام الحسين بالنبطية، إنّما كانت تهدف الى إرسال رسالة واضحة الى حزب الله أولاً، وإلى حزب الله ثانيًا، والى حزب الله ثالثًا، بأنّ حركة أمل والرئيس بري لا يزالان يشكلان الرقم الصّعب على الساحتين الشيعية والوطنية.
فجاءت بعد ذلك مضامين كلمة الرئيس بري وما حوتها من نقاط لتؤكد كل ما قلناه، وبأنّ الممرّ الاجبار لأي حل مفترض إنّما يمر من “باب المجلس النيابي”. وبأنّ العلاقات مع الدول العربية وفي مقدمتهم الدولة، التي أوّل حرف من اسمها المملكة العربية السعودية هي دولة شقيقة وليست عدوّة، وان انتخاب رئيس للجمهورية هو امر يجب بتّه قبل 10 ايلول.
وبعد كل هذا يصح القول بصراحة، أن احتفال الامام الصدر هذا العام يمكن وضعه في خانة الاخفاقات الكثيرة التي تمنى بها سياسات الحرس الثوري ومعها حزب الله في المنطقة، من اليمن مرورا بعراق المالكي ووصولا الى الزبداني والنبطية.