كي ينجح الحراك الشعبي

اذا كان للحراك الشعبي الذي تقوده مجموعة متنوعة من الجمعيات الاهلية والتجمعات المستقلة ان يؤدي الى تغيير فعلي في البلاد، فعلى هذا الحراك ان ينحو نحو التجمع تحت مظلة ائتلاف اهلي مدني، يقدم في الوقت الحاضر موضوع ازمة النفايات وحلها على بقية العناوين الفضفاضة التي تحفل بها الساحة. نعم، على الساحة ان تكون فضفاضة في ابتكاراتها لوسائل الاعتراض والاحتجاج والتعبير، وعليها ان تكون خلاقة لاجتذاب اللبنانيين بشكل عابر للطوائف. لكن في الغرف المغلقة والاطر التنظيمية التي لا بد من ايجادها وتطويرها، لا بد من عناوين واضحة، هادفة، والاهم ان تكون موحدة. فلا قيمة لاي حالة احتجاجية مهما كبرت وتوسعت افقيا ان لم تتحد تحت برنامج واضح وخريطة طريق للبعد المطلبي الاجتماعي. فالشعار الموحد القابل للتحقق هو المطلوب رفعه اليوم من الجميع كي يعرف الناس تمامل لماذا سينزلون اليوم الى الساحات، ولماذا سيواصلون النزول في الايام و الاسابيع القادمة. ونضيف ان اكبر خطر على الحراك الشعبي مصدره التخبط في مقاربة البعد السياسي. بمعنى آخر ان تحول الموقف ازاء المسألة السياسية (حكومة، انتخابات رئاسية ونيابية… الخ) الى سوق عكاظ على النحو الحاصل سيؤدي الى تشتت الجهد وتشتت الناس معهم.

طبعا، لا يسع الحراك الشعبي المدني الذي يعكس واقعا مأزوما حقيقيا ان يستمر طويلا وبما يكفي لاحداث نقلة في البلد، اذا ما اختُرق امنياً كما حصل ليل الاحد الفائت، وفي اليوم التالي ايضاً. فإذا بقيت الساحات مشرعة وسهلة الاختراق من رعاع منظمين، سيصبح الحراك رهينة العنف في الشارع الذي لا يمكن ان يخدم فكرة النزول الى الشارع بتظاهرات سلمية متدحرجة حجما. وعلى هذا المستوى، فإن القوى الحزبية المنظمة والمؤطرة والمتكئة على عصبية طائفية حقيقية لم تتراجع كما يتوهم البعض، هي التي تستعيد المبادرة في الشارع. فحذار الشارع المنفلت، لان الانفلات يحرف الانتباه عن الازمة الاجتماعية.
ثمة نقطة جوهرية لا بد من التنبه اليها، وهي ان على القوى المنظمة للحراك الشعبي الا تحيّد من يمتلك السلاح من انتقاداتهم، لان البلد لا يزال مطيفا و ممذهبا ومنقسما عاموديا، وخاضعا لمنطق الصراع الاقليمي الممتد من اليمن الى العراق وسوريا.
لا تظنوا ان تظاهرة مهما كانت كبيرة اليوم ستدفن الاحقاد والانقسامات الراسخة في عمق التركيبة اللبنانية. فإن لم يكن من وضوح في الموقف رافض لمنطق الدويلة والسلاح غير الشرعي والحروب المستولدة داخليا و خارجيا، فإن “الربيع اللبناني الثاني” سيبقى مجرد حلم عابر، فلا اصلاح حقيقيا بظل دويلة فوق الدولة، وجيش فوق الجيش، وسلاح فوق القانون والتوازنات الدقيقة .
على الناس ان ينزلوا الى الساحات للتعبير عن وجعهم ورفضهم للواقع السيئ، لكن لا بد من توحيد العناوين ومنع اي اختراق يحول الحراك الى مطية لاجندات اخرى. وقد قيل “ليس المهم من اين تيت، بل المهم الى اين انت ذاهب”! فلننتظر ونر!

(النهار)

السابق
حكام لبنان وشبّانه
التالي
انتهاء وقف اطلاق النار في مدينة الزبداني وقريتين في سورية بعد تجدد القصف