السيّد محمد حسن الأمين: تحرّكات لبنان والعراق‎ قد تخرجنا من المذهبية إلى المواطنة

السيد محمد حسن الأمين
لم يمنع وجود الاحزاب الاسلامية الحاكمة والمهيمنة في العراق ولبنان وغيرهما في بلداننا العربية المسلمة، من تفشّي ظاهرة الفساد المالي والسياسي. فلا المنشأ الديني والاخلاقي لتلك الاحزاب الذي يحرّم السرقة والفساد كان مانعا، ولا القوانين في دولهم المهمّشة كانت مانعا لهم أيضا... فما هو سبب جرأة هؤلاء المتدينين الفاسدين على المال العام؟

يجيب سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين بقوله: “ان المعيار الاساسي لكون السلطة اسلامية او عادلة هو “الأمانة” على أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم، ولا أهميّة للشعائر الدينية التي تقام في المساجد والنوادي والحسينيات في حال تمت خيانة هذه الأمانة. والتاريخ يذكر لنا كثيراً عن المحاسبات الشديدة التي كان الخلفاء الصادقون وعلى رأسهم الإمام علي بن أبي طالب(ع) يجرونها بحق أولئك الولاة التي كانت تصدر منهم خيانات أو بوادر خيانات لتلك الأمانة”.

ويضرب السيد الأمين مثلا تاريخيا حول “الفساد” وتأثيره فيقول: “لعل أبلغ صورة من صور التأثير السلبي للفساد على دولة المسلمين، هي صورة الوضع الذي ساد وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، حين تسلّط الأمويون ومن يحيطون بهم على أموال المسلمين ومنافعهم، الأمر الذي أحدث تلك الثورة الكبرى، والتي سميت بالفتنة الكبرى”.

الأمين: بالرغم من الحجم الأصغر للبنان شعباً وثروة بالمقارنة مع العراق فإني قد أجد أن معالجة أمر الفساد في لبنان أكثر صعوبة مما هو في العراق

ويرى السيّد الأمين أنّ “ما يحدث في بعض البلدان المسلمة اليوم من فساد مالي أصبح معروفاً ومعلناً. إذا دلّ على شيء فهو يدلّ على مأساة حقيقية، وهي أن كل التضحيات التي بذلها مواطنو هذه الدولة او تلك لإزالة حكم فاسد قد ذهبت هباء، وجاء من هو شرّ منها لكون الفساد السابق لم يكن مستتراً بأي شعار ديني بينما الفساد الراّهن يتسترّ بدعوى الدين وحماية الشعائر الدينية، وهذا ما يتطلّب نهضة حقيقية لإقامة نظام عادل، وإذا أراد نظام إسلامي أن يقوم في بلد ما، ففي أوّل الأمر عليه أن يقيم “الأمانة” على المال العام، ويقيم نظام محاسبة صارم للمسؤولين وكبار الموظفين لإيقاع العقوبات الشديدة على سارقي المال العام ومستغليه لمصالحهم الخاصة”.

ويفنّد السيّد الأمين مزاعم الحكام الذين يتذرعون بالقضابا الكبرى ومحاربة الأعداء من أجل الاستنكاف عن محاسبة الفاسدين من بطانتهم فيقول “إنّ أفضل إجابة على هذا التبرير الذي يقول بأن التحديات وأشكال العدوان الخارجية أو التي تتعرض لها الدولة من الإرهابيين لا يدع لنا مجالاً للدخول في معركة محاسبة الفاسدين… بأن الجواب البديهي على ذلك هو أن ترك الفاسدين يعيثون فساداً بالدولة وأموالها يضعف هذه الدولة ويجعلها هشة وضعيفة أمام مواجهة العدوان المذكور، وبالأساس لا يمكن الجمع بين الوطنية والفساد، فالفاسد لا يمكن أن يكون وطنياً، والوطني لا يمكن أن يكون فاسداً، سواء أكان الوضع يتعلق بلبنان أو بالعراق أو بدول اخرى”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: «الإلحاد» قديم.. والصراعات المذهبية أخطر

وحول ما جرى ويجري في العراق من مظاهرات شعبية أسفرت عن إصلاحات قادها رئيس الحكومة حيدر العبادي قال السيد الأمين:” لفتني بروز النهضة الشعبية في العراق احتجاجاً على الفساد وتبذير المال العام وإشاعة الفقر بين الناس، وأنا أعتبرها نهضة إيجابية، وأعتبر أن التجاوب معها وقيادتها من قبل رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي هو موقف نبيل وشجاع وينسجم مع السلوك المستقيم لهذا الرجل المناضل والذي عرفته انا شخصياً رجلاً نزيهاً وأميناً وحريصاً على القضية الوطنية والاسلامية في آن واحدة وإذا كنت أخشى شيئاً فإني أخشى أن شعور الطبقة الفاسدة تجاه هذه القرارات قد يؤدي إلى تضامنها وتواطئها في وجه هذا المسؤول، ما قد يهدّد مهمة ويجعلها شاقة وخطيرة. ولكني في الوقت نفسه أدعوه إلى الاستمرار وإلى المزيد من القرارات الإصلاحية وهذا ما يضمن له التفاف الشعب العراقي حوله، الأمر الذي يحميه من هذه الطبقة الفاسدة ويمهّد الطريق لقيام عرق جديد يستحق أن يتمتع بثروة وطنه الهائلة إلى جانب حقه في الحريات السياسية”.

العلامة محمد حسن الأمين

وعن لبنان وما يجري فيه من حراك شعبي موجّه ضدّ النظام الطائفي والفساد، رأى السيّد الأمين أنّه “بالرغم من الحجم الأصغر للبنان شعباً وثروة بالمقارنة مع العراق فإني قد أجد أن معالجة أمر الفساد في لبنان أكثر صعوبة مما هو في العراق، فالطائفية هنا في لبنان باتت إطاراً سياسياً معيقاً وقابلاً للاستغلال أكثر فأكثر من قبل قياداتها المسؤولة عن الفساد وعن تفكيك بنية الدولة. لكن هذا لا يمنعني أن أرى في الظاهرة الأخيرة التي تمثّلت بخروج الفئات الشعبية المختلفة في مظاهرات الاحتجاج، أن أرى فيها ضوءاً ولو خافتاً يساهم في أحداث النقلة النوعية المرجوّة للبنان من بلد للطوائف، إلى بلد للمواطنة، الأمر الذي ينتزع من أيدي زعماء الطوائف هذا السلاح الشديد وهو الاحتماء بالطائفة لتغطية كل أشكال الفساد والتقصير واللامبالاة تجاه المواطن وحقوقه الأساسية في لبنان”.

السابق
غدا 100 ألف؟ أو أكثر؟ وتقارير تحذر من “الشغب والدماء”
التالي
التقرير الاسبوعي عن حملة سلامة الغذاء