لماذا فشلت وأفشلت «حركة 6 ابريل» اللبنانية؟

الرصاص المتعدد المصادر الذي لعلع بسبب وبلا بسبب، وخراطيم المياه الضاربة، وهجمات رجال الأمن الحذرة، ليست وحدها التي فشلت وأفشلت تحرك حركة «طلعت ريحتكم» المدنية في ساحة رياض الصلح. حتى «المندسون» العراة الصدور، الذين نجحوا في تحويل مسار «الحركة»، كانوا مجرد «رسائل» للمدنيين بأن الشارع كان لهم، وهو لهم، وسيبقى لهم.

أسباب هذا الفشل عديدة منها الكامن ومنها الظاهر، ومنها الذاتي ومنها الموضوعي. في الأساس أن النظام اللبناني، ليس كما يعتقد البعض نظاماً هشًّا من السهل فكفكته وضربه. إنه نظام معقد جداً. هذا التعقيد هو الذي ابقاه ويبقيه رغم الحروب الأهلية. و«حركة 6 ابريل» في مصر نجحت لأن النظام ليس مركباً. تلاقت مطالب القوى المدنية مع قلق المؤسسة الوطنية الكبرى أي الجيش، فسقط حسني مبارك. في لبنان النظام اللبناني، نظام تتقاطع فيه مصالح الطوائف والمذاهب. وهي مهما تنافست وتزاحمت على السلطة والمواقع فإن من مصلحتها المحافظة على النظام حتى تستمر وتبقى. في اللحظة التي يتعرض النظام للخطر تنسى الطوائف بكل ممثليها خلافاتها وتتحد.

أيضاً النظام اللبناني نظام توريث دائم حتى لو اختلفت العائلات والأسماء ووسائل الوراثة والتوريث. الأخطر في كل ذلك أن الاستقطاعات الاقتصادية والمالية متداخلة، لذلك تصبح أي محاولة لاختراق هذا «الجسم» مهما كان «مريضاً»، مرفوضاً ومحارباً. أيضاً يجب الانتباه الى أن «حزب الله»، وليس الشيعة ليس جزءاً من هذا «الجسم» لذلك فهو يتحرك ضمن خطة مدروسة وببراعة تنفيذية لكي يخترق هذا «الجسم» ويصبح جزءاً منه، حماية له متى تحولت الأحوال.

تبقى الأسباب الذاتية التي وضعت حركة «طلعت ريحتكم» الى الفشل بدلاً من أن تحدث «زلزالاً» قوياً يُخرج لبنان من حالة السباحة في الفراغ. هذه «الحركة» على غير مثال «6 ابريل» ليست منظمة ولا يعرف لها وجه ولا بيان بجميع مطالبها الكاملة، التي انتشرت على مروحة أهداف واسعة بدأت «بالزبالة» ووصلت الى المطالبة بإسقاط الحكومة. لذا بدا خطابها مشوشاً وغير متماسك، وكان من السهل اختراقها وتشتيتها.

ولا شك أنه مهما بلغت قوة حركة مدنية مثل حركة «طلعت ريحتكم»، فإنها لا تستطيع مطلقاً، تثبيت خطها والانطلاق بقوة وثبات والانتشار على مساحة مواقع القوى المدنية التي لها مصلحة في إخراج البلد من السباحة في الفراغ، ومن ثمَّ التغيير. فكان حصارها ممكناً وحتى سهلاً.

لم تتمكن أو لم تنجح أو انها أخطأت في حساباتها، لضعف خبرتها، في التحالف أو التفاهم مع قوى فاعلة من اتحادات العمال فالطلابية وهي الأهم فالأساتذة. هذا التفاهم ضروري وملزم لنجاح أي تحرك مدني خصوصاً وأنه في قلب المطالب ما يفرض وحدتها.

فشل التحرك في ساحة رياض الصلح، ممكن أن يكون بداية وليس نهاية، على الأقل التحرك المدروس والمنفذ بدقة، يمكن أن يشكل قوة وقع لإخراج لبنان من حالة الفراغ، بأسرع ما يمكن لأنه لم يعد ممكناً ضبط الاحتقان الشعبي، هذا الاحتقان الذي يمكن أن يأخذ تفجيره أشكالاً أخطر بكثير.

في عزّ غرق ساحة رياض الصلح بالعنف، تساءل لبنانيون، هل يمكن للجيش أن ينقذ البلد ويقوم بالمستحيل وهو الانقلاب العسكري، وكان الجواب بسيطاً هذا الحل أصعب بكثير من اجراء انتخابات رئاسية، لأنه يتطلب توافقاً داخلياً متداخلاً مع الخارج، في وقت المطلوب نصف هذا التوافق لإنجاح الانتخابات الرئاسية. لم يبقَ للبنان واللبنانيين الا العمل والصلاة لإنجاح فصل المسارين اللبناني والسوري عن بعضهما البعض، ليخرج من «السباحة في الفراغ».

(المستقبل)

السابق
سيارة نواف الموسوي تصاب برصاص عين الحلوة
التالي
ماذا سيحصل إذا شربت ماء جوز الهند