مراكز الضمان للخيبة والذلّ

الضمان الاجتماعي
كلنا سمعنا عن المؤسسات الرسمية اللبنانية وطريقة تعاملها مع الناس. العديد منّا زارها، تواصل مع موظفيها أو له فيها عدة تجارب وحكايات. قيل الكثير عن الفساد في ثناياها وحُكي أكثر عن ملفات منسية فيها عمداً ودون اكتراث. وعن الضمان الإجتماعي سأروي لكم قصّة أسبوعين قضيتهما متنقلاً بين عدد من فروعها في بيروت وشمال لبنان.

كنظرةٍ أولى لمراكز الضمان الإجتماعي، جميع المراكز متشابهة، خالية من الترتيب، مليئة بالحراتيق، متّسخة، فارغة من الموظفين حسب مساحة كلّ مركز، مزدحمة بالمراجعين ومليئة باللا مبالاة.

زرت أحد مراكز الضمان في الساعة الـ11:15 صباحاً تقريباً، لأجد موظفة غارقة في توقيع الملفات. بعد التسمّر أمامها لدقائق، تكرّمت والتفتت نحوي سائلةً: “نعم! خير”.

كانت أولى زياراتي لمركز ضمان، فتلعثمت بالحديث وخانتني الكلمات قائلاً: “عندي معاملة بدي قدّمها”.

وكأنني شتمت الموظفة أو قلّلت من احترامها فردّت: “شو يعني معاملة؟ شو بدك تقدّم فيها؟ بعدين هلأ؟”.

وتابعت: “مأخّر عيني، الدوام من الـ 9:00 للـ 11:30 بالصيف تعا بكرا الصبح، بس ورجيني بالأول شو معاملتك، شكلك أوّل مرة بتجي لهون”.

وأثناء تفحّصها لأوراقي، استرقت النظر لساعتي لألاحظ أنها لم تدنُ من الـ 11:30.

فقلت لها بصوت خافت: “الساعة 11:23 بعد ما صارت “11:30”.

فردّت الموظفة اللطيفة: “سكّرنا حبيبي اليوم، بعد ما شربت قهوتي، بعدين ضمانك مش هون، بغير مطرح”.

في اليوم التالي حملت أوراقي للمركز الثاني في بيروت، وكنت هناك في تمام الـ 9:10 صباحاً.

المركز كان يغصّ بالمراجعين والمراجعات. لم أفهم أين يجب أن انتظر حتى تكرّم مراجع وقال لي: “سجّل اسمك هونيك”.

ورقة مقتطعة من دفتر حساب مليئة بالأسماء والأرقام وفوقها قلم ازرق. دوّنت رقمي وانتظرت لمدة نصف ساعة. في تلك المدة، لاحظت أنّ موظَفَيْن فقط يعملان و5 يأكلون المناقيش ويشربون الشاي والقهوة. اقتربت امرأة حامل في شهر متقدّم من موظفة تشرب القهوة لتسألها اذا اقترب رقمها ام لا، لتردّ الأخيرة: “شايفتيني عم العب؟ دورك بس يكون اجا دورك يا عيني”.

طريقة تعامل موظفي الضمان مع المراجعين أكثر من مقرفة ومهينة

خلال اترة إنتظاري ايضاً، حصل شجار بين مراجع وموظف، فالمراجع ينتظر منذ 3 ايام ورقمه مدوّن على ورقة موجودة مع الموظفين. عندها علمت انّني لن استطيع تقديم اوراقي، لا اليوم ولا في الغد.

غادرت وتحدثت مع سيدة مسؤولة عن توصيل المعاملات وتخليصها، ظنّاً مني أنني ربما استطيع تسريع تقديم معاملتي. المسؤولة قالت لي حرفياً: “بدك تروح 3 و 4 ايام ورا بعض وتنطر وتتحمّل، هني هيك بلا اخلاق وبلبطوا بالعالم تلبيط، ما بدك تقرف حياتك وتضجر والا بروحوا عليك المصاري”.

انتظرت لمدة نصف ساعة. لاحظت في خلالها أنّ موظَفَيْن فقط يعملان و5 يأكلون المناقيش ويشربون الشاي والقهوة

رغم خيبتي مما سمعت، عزمت على العودة مرة ثالثة لكن هذه المرة مع احد اقربائي لمركز ضمان في شمال لبنان لتقديم المعاملة حيث رأيت سيدة تستفسر عن مساعدة مرضية لوالدتها كانت قد قدّمتها منذ ما يزيد عن العام. وخلال سؤالها الموظفة المسؤولة عن رقم المساعدة، أجابتها: هل رأيتِ الرقم في الجدول؟

فردت السيدة: كلا.

فقالت الموظفة: عودي يوماً آخر.

غضبت السيدة واثناء توجهها نحو باب المركز، نادتها الموظفة من جديد وخاطبتها بصوتٍ منخفض: “اذا كنتِ مستعجلة وبدك ياها هلأ، خدي 100 الف ليرة وانسِ المساعدة”.

تفاجأت السيدة وكل من استرق السمع، ورفعت صوتها قائلةً بإستغراب: “بس قيمتها اكتر من 400 الف ليرة!!!”

لتردّ الموظفة: “هيدا الموجود عنا”.

أريد أن استدرك، رافقت قريبتي الا احد المراكز وكانت اوراقها مطابقة والحمدلله. أمّا تاريخ المراجعة بالمساعدة فهو بس 6 أشهر بالتمام والكمال.

هناك كان عجوز ينتظر طبيب الضمان للحصول على موافقته، ولكن الأخير لم يحضر. ولدى سؤاله إحدى الموظفات ردّت عليه بلطفٍ فائق: “منو جاية اليوم، وما بعرف ايمتا بيجي ورقمو التلفون ما بردّ عليه”. فأستشاط العجوز غضباً:”شو الطبيب ربّ الأرباب ما حدا بيقدر يحكّي”.

معاملتي لم اقدّمها بعد، فطريقة تعامل موظفي الضمان مع المراجعين أكثر من مقرفة ومهينة.

كلّ ما كتبته أعلاه وما سمعتموه وما ستسمعونه عن مراكز الضمان الإجتماعي صحيح، كلّ قصص النصب، عدم احترام المراجعين وغيرها واقعية وتحصل كلّ يوم.

الضمان الاجتماعي والمستشفى

ومن يحاسب الموظفين ويحصّل حقّ المراجعين؟
لا أحد.

السابق
أجمل الحسناوات في البرلمانات العالم
التالي
ماذا يدور بين جويل حاتم وبيار الحشاش