في الذكرى الثانية لمجزرة السارين الكيمياوية

مجزرة الغوطة الشرقية
إجتمع مجلس الدمى "قراطية" في اليوم التالي للبحث عن الفاعل، فاعل المجزرة، أية كلمة مخيفة هي هذه. تضامنوا جميعهم مع "المفعول به" وأطلقوا بيانات الاستنكار والشجب دون تحديد هوية الفاعل فنسبوها إلى مجهول. الرادارات الأميركية لم تلتقط إشارات حول إحتمال وجود غزو فضائي وأما البيانات الروسية فتشبه إلى حد ما المشاركة في القتل، وأي قتل! انه الحرمان.

في الساعة الثانية عشر ليلاً هطل سرب من الصحون الطائرة والمخلوقات الفضائية إلى بقعة من الأرض، إسمها بلاد الشام يقال بأنّها مقدّسة. ترجّلت من إحدى المركبات الفضائية أميرة حسناء ترتدي الأزرق، عيناها جاحظتان وشفتاها ملوّنة بمسحوق أسود. إنّها “سارين” إلهة الموت الصامت الهادىء والأنيق إمرأة ذات جمال فتاك، فاتنة وساحرة.

نزلت سارين من الصحن الطائر المستدير الذي يشبه الصحون الطائرة التي لطالما عشعشت في خيالنا أثناء مشاهدة أفلام الكرتون وأفلام هوليوود الخيالية. إنها إمرأة من النوع الذي يشلّ جمالها الأعصاب، لا رائحة لها ولا لون. جمالها يقف أمامه البصر وتخفق له الصدور وترتعش الأيادي حتى يشعر الناظر إليها بصداع شديد وتشنج في الجهاز التنفسي، ويتسع بؤبؤ العين في محاولة إدراك اللحظة. لحظة حضورها القوي الطاغي على سواه، يشهق القلب ويضيق أمام حسنها ويفقد الوعي وتختنق الأصوات.

 

أصبح السوريون يشبهون أسطورة الشعب المشتت عند اليهود أو ما يعرف باليهودي الضائع

 

وحدها تعابير الوجه المتضخمة والزفرات الطويلة تستولي على حيز الوجود، يليها الهدوء، هدوء تام، ثم الغيبوبة فالموت. سارين تحمل معها ألعاباً وهدايا ومفاجآت لشعوب هذه المنطقة. وضعت الألهة المريضة نفسياً لعبة باربي في سرير طفلة شقراء جميلة ولعبة غرانديزر بين يدي طفل أسمر يفترش الأرض، بخّت قليلاً من السم من فمها على المزبلة حتى نام عامل النظافة جنب النفايات. صياد السمك أخرج سمكاً عفناً وما لبث أن إبتلعه البحر، رجل يصلي ساجداً خاشعاً إلى ربه فلا يقوم بعد ذلك أبداً.

 

في المسجد، الجميع نيام في غيبوبة لكأنها ليلة القدر أو حفلة تأمل ثقيل. شرطي في زاوية الكابينة يعبط السلاح دون أدنى حركة. أمّ تغسل ثياب أبنائها فيستلقي رأسها في الطشت، فتاة عارية على أرض الحمام والماء يتساقط من الحنفية قطرات قطرات، عروس تحلم بليلة زفافها فلا تستيقظ من الحلم، حيوانات نافقة في المزارع وأزهار ذبلت من شدة العطر، سواد هائل يلف المنطقة ولا أحد ينبس بكلمة…صمت…صمت مطبق.

 

حرمان الإنسان من أبسط حقوقه ألا وهي تنشق الهواء أي الحرية، إنه عملية سلب للأحلام

 

إجتمع مجلس الدمى “قراطية” في اليوم التالي للبحث عن الفاعل، فاعل المجزرة، أية كلمة مخيفة هي هذه. تضامنوا جميعهم مع “المفعول به” وأطلقوا بيانات الاستنكار والشجب دون تحديد هوية الفاعل فنسبوها إلى مجهول. الرادارات الأميركية لم تلتقط إشارات حول إحتمال وجود غزو فضائي وأما البيانات الروسية فتشبه إلى حد ما المشاركة في القتل، وأي قتل! انه الحرمان.

 

حرمان الإنسان من أبسط حقوقه ألا وهي تنشق الهواء أي الحرية، إنه عملية سلب للأحلام. لكن الحلم لا بد أن يستمر فالأحلام لا تموت ولا تنتهي.

 

عامان على المجزرة، عامان وما زالت المجازر باقية وتتمدد في مختلف المدن السورية، من الزبداني إلى دوما وحلب وإدلب والرقة والحسكة وغيرها من المدن. عامان ولم يتوقف نزيف الدم، ولا زال النزاع الكوني التآمري، مفتوحاً على مصراعيه ضدّ هذا الشّعب دون التوصل إلى الكشف عن حقيقة واحدة. مجرّد حقيقة واحدة تبرّد آلام المعذبين والمقهورين، وتعترف بالمسؤولية عن سحقهم وتهجيرهم.

مجزرة الغوطة

كم أصبح السوريون يشبهون أسطورة الشعب المشتّت عند اليهود أو ما يعرف باليهودي الضائع. لكن اليهود إنتقموا أيما إنتقام من العالم أجمع.

 

إقرأوا الأدب السوري لتكتشفوا حجم الظلم الذي يعيش في داخلهم، لا بد وأنه سيخرج يوماً ما لينتقم من التاريخ والعالم.

السابق
بانتظار «أسير» جديد.. وربّما مسيحي هذه المرّة
التالي
حزب الله ينعي اليوم مقاتلين جديدين سقطا في الزبداني