أحمد الأسير الشنّاوي

أحمد الأسير

الصورة التي وُزِّعت لأحمد الأسير، والتي يبدو أنّها صورته خلال محاولته الفرار عبر المطار، هي امتداد لصورٍ كثيرة للرجل أظهر فيها قدراً من اللهو والعبث الذي لا يليق بشيخ.

أحمد الأسير يقود دراجة هوائية، أو متوجّهاً مع نساء منقّبات ورجال ملتحين إلى فاريا للّعب في الثلج، وفي صورة أخرى ظهر ممسكاً بيد مناصر له ضمن حلقة دبكة. وجاءت صورته متنكراً في هيئة رجل من سبعينات القرن الفائت امتداداً لهذا العبث. فالرجل المتنكّر بهذه الهيئة ظهر وكأنه قادم إلى حفلة تنكرية لن يُخطئ أحد فيها هويته، لكنهم سيُعجبون بقدرته على مشابهة نفسه رغم كل ما بذله من جهود للتنكر.

والحال أن صورة الأسير شيخاً وملتحياً وخطيباً محرِّضاً لم تخلُ بدورها من عبث، ذاك أنها عبث بصورة الرجل الذي كانه، وهي أيضاً عبث بصورة الشيخ الذي صاره.

وفي مقابل هذا العبث، تبدو أيضاً عبثية ومضحكة الجهود التي تُبذل لتصوير الرجل بصفته أخطر شخصية في العالم. فقد خصّصت الصحف اللبنانية زاوية ثابتة لاعترافات الأسير، وعلى رغم أن الصحف قالت إنّ الأمن العام الذي حقّق الإنجاز حريص على إبقاء التحقيقات قيد السرية، فإنّ كميات المعلومات “المسربة” من التحقيق تكفي لتفسير أكبر ظاهرة إرهاب في القرنين الأخيرين.

المسألة كانت في غاية البساطة. خرج الأسير من عبرا إلى مخيم عين الحلوة الذي لا يبعد أكثر من كيلومترين. اختفى هناك، وظهر كثيرون من المختفين معه في حي التعمير التحتاني في المخيم. كان منطقياً جداً أن يكون الأسير هناك، خصوصاً أن فضل شاكر كان هناك على نحو علني أيضاً.

الرغبة في صناعة إرهابي “عالمي” دفعت الصحف للتحدث عن مشاركات الأسير في حروب القلمون، وعن تنافس “جبهة النصرة” و”داعش” على الفوز ببيعة الشيخ الطريد. ها هو مقيم في السفارة القطرية على ما ذكرت صحيفة ممانعة، ولفتت محطة تلفزيونية إلى أنه في شمال سوريا، يقود هناك وحدات من “جيش الفتح”. لا حدود للخيال المدعم بمعلومات موثّقة.

في هذا الوقت كان الأسير في حي التعمير، وكان الأمن العام والأمن الداخلي وأمن الجيش اللبناني وأمن حركة “فتح” يعلمون جميعهم بذلك. وكان أولاد خالة وأولاد عمّة الأسير يعلمون بذلك، وتسرّب الخبر إلى الجيران أيضاً. وبينما كان الرجل يضع اللمسات الأخيرة على وجه “كمال الشنّاوي” الذي اختاره قناعاً واختار بلده وجهةً، مستعيناً على ذلك بما خبره من أدوار أدّاها الشناوي في أفلامه، كانت أم حسين تشي به، لتكشف للعالم هوية أخطر شخصية في القرن.

تتقاطع رغبات قاتلة في تحويل الأسير شيطان الشرق ومُهدِّده. بالنسبة الى العونيين هو السنّي النموذجي الذي يؤكد مقولاتهم عن السنّة، وبالنسبة الى “حزب الله” هو العدو السهل الذي اذا ما تم الانتصار عليه، فهذا يعني أن الحزب صار على أبواب القدس، تماماً كما سيكون على أبوابها ما إن تسقط الزبداني.

أحمد الأسير ليس أكثر من خطأ. هو شيخ خطأ، ومقاتل خطأ، وسلفي خطأ، وعدو خطأ. وتكمن المأساة في أن الأسير خطأ أهلي، على نحو ما هو كمال الشنّاوي وجه أهلي.
(NOW)

السابق
توتر في شبه الجزيرة الكورية بعد قصف متبادل على الحدود
التالي
الأسير وخلية «حزب الله»…لبنان يرقص بين عهرين!