قاموس الظلام

نحمل الأسماء نفسها، نتوارث الحزن ذاته، الثأر، الحقد. كل يوم ينضح ماضينا مزيداً من الأسى. ما السبب؟ التراث؟! هذا التراث أيّاً كانت الاختلافات، يتحكم جوهرياً، بما يُحسب حسابه عملياً في التفكير العربي الحديث، في التربية الاجتماعية للشعوب العربية. متحكم أصيل بعلاقة الرجل بالمرأة، بعلاقة الطفل بالمدرسة، بهيكلية المجتمع الكبرى. تتحكم بنا عبارات الأسلاف، يمكن لأي صديق أو قريب أو جار أن يدينك بعبارات تقريرية موروثة، لا تصمد أمام أي نقاش منطقي.
قاموس القسوة، هو المتحكم بأحكام المجتمع، وأفكاره، الجميع جاهزون لتبني خطاب «الأستذة».
عقائديون متصلّبو الأحكام، يعيشون بيننا، يطيب لهم رقابة وإقصاء كل ما لا ينسجم مع «تحجّرهم»، رقباء إرهابيون، يختبئون وراء أقنعة مختلفة، بعضهم أساتذة في الجامعات وبعضهم الآخر نقاد، وآخرون أناس عاديون هم ضحايا التربية القائمة على محاكمة الآخر.
الرقابة والمراقبة والرقباء ظاهرة اجتماعية مكثفة وحاضرة، إن لم تراقبك الأجهزة الحكومية فسيراقبك جارك أو جارتك أو البقال أو الزبال، أنت مدان سلفاً قبل أن تفعل أي شيء، عليك أن تخضع لـ «الصحيح اجتماعياً»، من دون تذمر، واذا أردت أن تتمرّد قليلاً فاستتر. إنه البوليس الاجتماعي الذي يتبرّع بمراقبتك وإطلاق الأحكام عليك سواء رضيت أم رفضت.
الأجداد، يغذّون جذوة حروب اليوم، مدن الموت والقتل والجثث المرمية في الشوارع. أيضاً يمسكون بتلابيبنا فكرياً واجتماعياً وأدبياً.
من يجرؤ ويسأل: متى تلك اللحظة الديكارتية، لحظة «الشك». لحظة «أنا أفكر». اللحظة المرتبطة بالذاتية بالحرية الشخصية، بالسيادة، أن تكون سيد نفسك. إنه التراث الديكارتي الذي يتحكم بالحداثة بأكملها، أليس من حقنا إعادة فحص ملف الماضي؟
الماضي، الذي ينقضّ علينا، يأتينا فارضاً نفسه وحمله وثقله، وبطريقة غير مشروطة.
علاقتنا مع المستقبل هي علاقة مع الغموض. لا شيء واضح، المستقبل يهرب مذعوراً من ماضينا المدجج بالأحقاد. ورغم ذلك نحافظ على ارتباطنا المرجعي بالماضي بوصفه هالة موقّرة ومثالية.
ماضينا القريب، والبعيد والأبعد من بعيد، يحق لنا أن نواجهه وجهاً لوجهة، حجة لحجة، يحق لنا نقده، والاحتجاج عليه. إنه الفكر العتيق، المتحجر، الذي يسمّم حاضرنا، ويطفئ الأنوار.
الأنوار؟! رغم أن الشمس تشرق كل يوم على أرضنا، لكننا بلدان للعتمة والظلام.
الآن، جرّب أن تكون متعاطفاً مع الضوء والنور.. ستكون موضع شبهات.
جرّب وشكك بـ «اليقينيات» لتكون مداناً وأكثر.
متى نتبنى فكرة الـ «أنا أفكر، أنا موجود»؟ نحن موجودون لنكرّس ونمجد ونصفق، لكن ثقافة الانتقاد ثقافة مشبوهة؟!
لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟! هذا السؤال الذي يؤرق ليلنا مثل نحيب صفارات الإنذار التي تدوي في حاضرنا.
(السفير)

السابق
كلينك تهاجم سمير جعجع
التالي
هؤلاء متّهمون معروفو مكان الإقامة: هل ستطبّّق عدالة «الأسير» عليهم؟