مشاهدات من شاطىء الناقورة: هكذا يكره اللبنانيون أنفسهم

شاطئ الناقورة لبنان
يعتب اللبناني المحروم والمستضعف على "السلطات"، كونها تعمل ضدّه، لكن في الوقت عينه نجد هذا اللبناني الفقير يعمل ضدّ نفسه قبل كل شيء... وإليكم أمثلة وتفاصيل من على شطّ الناقورة.

لبنان المطل على البحر الأبيض المتوسّط يتميز بمنتجعاته البحريّة الكثيرة حيث تشتعل الأسعار صيفًا، وهو موسم تحتكر خلاله المؤسسات السياحية أشدّ الاحتكار المتنفس الوحيد للعوائل اللبنانية والسورية والفلسطينية الفقيرة والمتوسطة الحال.

في جنوب لبنان تقع بلدة الناقورة الساحليّة، التي تتميّز بشاطئها الشاطئ الجميل والرائع والنظيف، ترى الناس منتشرة على طول الشاطئ تحاول عبثا الترويح عن نفسها بأدنى الكلفة وأقل المصاريف.

في جولة على شاطئ الناقورة الجميل والنظيف، يلحظ المراقب كثافة عدد المرتادين في مشهد جميل يدلّ على فسحة باتت مفقودة في المناطق الأخرى بسبب احتكار الشواطىء البحرية من قبل المنتجعات السياحية. لكن ما يلفت أن قوّات اليونيفيل وقوات الجيش اللبناني، القريبتين جدا من أماكن وجود الناس، لم تمنعا الناس من السباحة في أقرب النقاط إلى مراكزهما دون خوف أو مانع. وهذه علامة إيجابية كدلالة على الأمان.

قصتنا مع محاربة الفساد تُشبه إلى حدّ التطابق قصتنا مع الأملاك العامة التي هي أصلا “أملاكنا”

لكن في الوقت عينه، يرى المراقب بداية أزمة نفايات قد تطلّ برأسها قريبا لأنّ مرتادي الشاطئ العام هذا من اللبنانيين الفقراء وغيرهم يرمون نفاياتهم على هذا الشاطئ الجميل. هي واحدة من العادات السيّئة والمُشينة التي تؤكد أنّ سلطة البلديات يجب أن تكون حاضرة بشكل دائم ومستمر. إذ يلاحظ الزائر غياب الشرطة السياحية والشرطة البلدية رغم أنّ منتجعات كبيرة وضخمة منتشرة على طول الشاطئ من الناقورة حتى خلدة قرب بيروت.

فما معنى أن يرمي مواطنون، آتين من بعيد، أوساخهم على شاطىء نظيف ليحولوه إلى مكبّ ومزابل لمخلفاتهم البلاستيكية بشكل يُقزّز النفس، إلا ما ندر من أشخاص أبوا أن يكونوا مجرمين بحق بلدهم.

وإضافة الى أنّ السلطات المحليّة هي المسؤولة عن مراقبة الشاطئ والحرص على نظافته، إلا أنّه من المفترض أننا كمواطنين متوسطي الحال أن نحرص على “أماكننا السياحية المجانية”، فلماذا لا نجعل هذا الشاطئ صورة عنّا وعن منازلنا.

ومن المعروف أن اللبنانيين إجمالا حريصون على نظافة بيوتهم وأناقتها وزينتها وفخامة فرشها وديكورها، إلا أننا وعلى ما يبدو نفتقد الحسّ الوطني، ونفتقد للمسؤولية الوطنية، حيث أننا نرمي النفايات من على شرفات المطابخ، ومن على شرفات المنازل، ومن شبابيك سياراتنا، ومن كل مكان يمكننا التخلّص منه خارج أماكننا الخاصة ولو كان مكان عملنا وباب رزقنا.

فقصتنا مع محاربة الفساد تُشبه إلى حدّ التطابق قصتنا مع الأملاك العامة التي هي أصلا “أملاكنا”، وان كنا لا نمتلك أوراقا ثبوتيّة لذلك. ففي جولة على العوائل التي حطت رحالها على شاطئ الناقورة، إلتقينا واحدة مكوّنة من أكثر من 25 شخصاً آتين من قرية خربة سلم الجنوبية… مجموعة أخوة وأخوات وزوجات وأزواج مع أطفالهم الصغار. اللافت فيهم هو رميهم العبوات على الشاطئ بُعيد رحيلهم، وتركهم أكياس النايلون وأكواب البلاستيك وألعاب الأطفال، والأحذية البلاستيكية. رغم أنّ الإعلام اللبناني، وبسبب أزمة النفايات في بيروت مؤخرا، فاض به الكيل وهو يشرح عبر متخصّصين بيئيين، حجم ضرر البلاستيكيات على الحيوانات البحرية والبيئة البحرية والبرية وضررها على الطبيعة بشكل عام.

بداية أزمة نفايات قد تطلّ برأسها قريبا لأنّ مرتادي الشاطئ العام هذا من اللبنانيين الفقراء وغيرهم يرمون نفاياتهم على هذا الشاطئ

فماذا ينقص هؤلاء، الذين يعلّمون أطفالهم في “أحسن المدارس”، أن يطلبوا منهم جمع كل ما رموه، بل حمله الى البيت ورميه في برميل البلدية؟ أو وضعه في مكان مخصص لنفايات الشاطئ؟

الأغرب ان تقوم مجموعة من الشباب بالسخريّة من إحداهنّ التي شعرت بالمسؤولية فحاولت تنظيف الشاطئ من البقايا المؤذية كأكياس النايلون التي تضرّ بالسلاحف البحرية..

في نهاية المطاف والجولة، نجد أكواما من البلاستيك والنايلون تشتعل داخل الموقف الخاص بالسيارات قرب الشاطئ، وتفاجأنا بمجرور دائري عريض، يصلح لأن يكون نفقاً ربما، يصبّ في البحر آتياً بهدوء من أحد المنتجعات الراقية هناك.

الناقورة

شاطئ الناقورة، رغم كلّ ما شاهدناه، ما زال نظيفا نسبيا، وحجم ما يُرمى في مياهه من قاذورات لا زال قليلا، لكن لا أحد يعلم متى تُصبح هذه المشاهدة من الماضي، ويتحوّل الشاطى إلى مكبّ للنفايات مثل غيره.

السابق
الكتاب الجديد لستيفان انجل: دعوة لثورة إشتراكية عالميّة
التالي
فضل شاكر.. يسلّم نفسه قريباً جداً