من هاشم السلمان إلى رياض الصلح وصور والنبطية: الإعتراض الشيعي يتصاعد

الشيعة
مرّت الطائفة الشيعية في مسار تصاعدي بعد انتصار حزب الله على اسرائيل العام 2000، وإجباره على الانسحاب من الجنوب، في حين أنّ المسار التنازلي للطائفة بدأ على إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري واتهام عدد من كوادر الحزب بتلك العملية، ليستكمل الانحدار قبل عامين مع الاعلان عن تدخّل حزب الله العسكري في الميدان السوري لصالح نظام الرئيس بشار الأسد ضدّ شعبه الذي ثار عليه. لكن مؤخّرا بدأ الشيعة يتمرّدون على حزب الله في بيروت والجنوب... هنا قراءة سريعة في هذا التطوّر الميداني.

كانت لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 لحظة حاسمة في التاريخ اللبناني الحديث، اذ اتضح جليّا المشهد السياسي، ووقع الفرز بين مشروع 14 آذار ومشروع “حزب الله” ومن ورائه إيران. وبدا أنّ الطائفة الشيعية “صفّت” إلى جانب إيران وحزب الله، رغم أنّ الآلاف منهم نزلوا إلى ساحة الشهداء في 14 آذار وقرّروا الانخراط في مشروع معاد للممانعة وإيران وسوريا الأسد.
منذ ذلك التاريخ وضع حزب الله الطائفة الشيعية في مواجهات داخلية وخارجية خطيرة، أبرزها أحداث السابع من أيار ودخول الحزب الحرب السورية علنًا إلى جانب نظام الأسد الدكتاتوري ضدّ شعبه، وفي كلا الحالتين كان الإفتخار بطاعة إمرة الولي الفقيه الإيراني السيّد علي خامنئي.
وعلى الرغم من التأييد الواسع الذي يحظى به حزب الله داخل الطائفة الشيعية، إمّا لأسباب عقائدية أو لأنّ الحزب الذي هزم إسرائيل وحرّر الجنوب، أصبح صمام الأمان الذي يحمي الطائفة من أي اعتداء خارجي وينتزع حصتها من مغانم الدولة داخليا في وطننا لبنان الذي تتجاذب فيه الطوائف السلطة وتتنازعها حسب المحاصصة الطائفية. غير أنّه منذ اللحظات الاولى لبدء الفرز في آذار 2005 خرج من رحم هذه الطائفة معارضة برزت في أوقات عصيبة لترفع الصوت الرافض لزجّ الشيعة في محور يجلب الويلات لهم أولاً وللبنان ثانيًا.

الإعتراض الشيعي
ففي العام 2005 وعندما ولدت حركة 14 آذار التي طالبت بانسحاب جيش الوصاية السورية من لبنان، مقابل قوى الثامن من آذار بقيادة حزب الله الرافضة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي طالب جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان… ولد «اللقاء الشيعي اللبناني» في 21 نيسان 2005، الذي التأم في مبنى المدرسة العاملية في رأس النبع وجمع حوالي 400 شخصية شيعية أبرزهم العلامة السيد محمد حسن الامين، ليظهروا «صوتاً شيعياً جديداً ينحاز إلى المعارضة بما هي حركة داعية الى التغيير» أي الوقوف مع مطلب قوى 14 آذار واعتبار انسحاب الجيش السوري من لبنان مكسبا للبنانيين كافّة يجب التوحد حوله. لكنّ الحلف الرباعي الذي نشأ عشية الانتخابات النيابية في العام 2005، والذي ضمّ كلاً من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، الرئيس نبيه بري، السيد حسن نصر الله ووليد جنبلاط، أجهض الصوت الشيعي المعارض للثنائي أمل وحزب الله، خصوصًا بعد التهديدات الأمنيّة التي وصلت إلى أبرز وجوه هذا اللقاء.
السيد علي الامينبعد حرب تموز 2006 برزت مواقف مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الأمين، المناهضة لسياسة حزب الله، والذي اختلف معهم في اعتبار حرب تموز انتصارًا على اسرائيل. ولكن سرعان كبّلت حركته قبل أن تكبر وتمّ فصله من منصبه كمفتى بسبب خروجه عن «الإجماع الشيعي».
ظلّت المعارضة الشيعية مشتتة خصوصًا مع سياسة كمّ الأفواه التي طالت كل من يعارض الثنائي الشيعي. وصولاً إلى اندلاع الثورات العربية عام 2011 وانتقالها إلى سوريا، التي أدّت إلى بروز زخم ونفس شيعي يرى أخطاء حزب الله المستمرّة بتحالفه مع النظام السوري الذي يقتل شعبه، وصولاً إعلان الحزب دخوله في الحرب السورية الى جانب نظام الأسد. هذه الخطوة صوّبت أهداف المعارضة الشيعية وجعلت لها قضيّة، وهي رفض زجّ الشباب اللبناني الشيعي في حرب غير ظالمة يخوضها محور الممانعة ضدّ شعب ثار من أجل الحرية والإنماء والإصلاح…
ومن أبرز الوقفات الإحتجاجية ضدّ تدخل حزب الله في الحرب السورية تظاهرة شبّان شيعة في 21 حزيران 2013 أمام السفارة الإيرانية في بيروت، فقتلت ميليشيات حزب الله والسفارة الإيرانية الشاب الشيعي هاشم السلمان في مكان الاعتصام وأمام مرأى القوى الأمنية اللبنانية كلها، في رسالة واضحة إلى البيئة الشيعية بأنّ الاعتراض سقفه القتل في الشارع بلا حسيب أو رقيب.

هاشم السلمان
استشهاد هاشم السلمان كان ضربة موجعة مفادها أنّ حزب الله يستطيع قتل من شاء وأمام مرأى الجيش والقوى الأمنية والكاميرات، من دون أن تستطيع أي جهة التعرّض للحزب ومناصريه.
أمّا إعلاميًا، فقد برز موقع «مختار» الذي موّله المهندس رياض الأسعد وأداره الزميل محمد بركات، كصوت شيعي معارض، رغم إعلانه دعم المقاومة، إلاّ أنّه تميّز ببعض النقد الخجول ولم يعارض صراحة تدخل حزب الله في سوريا. وكان الأسعد مرشّحا دائما للنيابة عن مقعد قضاء الزهراني في الجنوب وعلاقته تتسم بالود مع جمهور “المقاومة” الذي قبله ومنحه آلاف الأصوات ولكن لم تمكنه من الوصول الى الندوة النيابية. وبعد اغتيال هاشم السلمان قرّر الأسعد وقف العمل في موقع «مختار».
وكان العام 2011 موعدا لتفعيل موقع «جنوبية» بإدارة الصحافي علي الأمين، وانتقل الزميل بركات لإدارة تحريره. هذا الموضع رفع السقف في انتقاد حزب الله وسياسته الداخلية والخارجية، موقع «جنوبية» فتح ملفات لم يتجرّأ أحد في التطرق إليها من قبل، وكشف عن وجود عملاء داخل صفوف حزب الله، واعترض على تدخّل حزب الله العسكري في سوريا وعلى قتل الشعب السوري والشباب الشيعي بالمقابل، كشف عن تجنيد شباب سنّة ومسيحيين في صفوف الحزب، وعن تجنيد المراهقين والأبناء الوحيدين لدى أهلهم وإرسالهم إلى سوريا..كذلك تطرق موقع جنوبية إلى العديد من القضايا التي شغلت الشارع الشيعي البعيدة عن اهتمامات حزب الله، لذلك فقد تلقى العديد من التهديدات ولكنّه مستمرّ برفض سياسة حزب الله العامة التابعة لإيران، ويتابع فتح الملفات والخبايا التي يحاول حزب الله إخفاءها.

إقرأ أيضاً: «العميل الاسرائيلي» كان مسؤول أمن نصرالله.. فلماذا لم يقتله؟‎

عملاً للوحدة ورفضاً للفتنة
وفي تاريخ 17 حزيران 2015 وبدعوة من جمعيات مدنية على رأسها جمعية “شؤون جنوبية” الى جانب شيعة مستقلين، وتحت شعار «عملاً للوحدة ورفضاً للفتنة» وتلبية للدعوة إلى «وقفة حرّة ومسئولة» تجمّع عدد من الناشطين والصحافيين والمواطنين في ساحة رياض الصلح، ليعبروا عن موقف وطني يدعو إلى تحييد لبنان عن خط الزلازل في المنطقة، حفاظًا على الشباب اللبناني الذي يستغل من قبل أطراف إقليمية ومحلية تحقيقًا لمآرب سياسية ومصالح خاصة. كان ذلك التحرّك الأوّل “على الأرض” بعد استشهاد السلمان، وقد جمع نحو 150 ناشطاً في مشهد شغل الإعلام اللبناني والعربي وأطلّ على الإعلام العالمي.
والخلاصة، يعيش اللبنانيون وضعا معيشيا وإقتصاديا صعبا، وهذا ما دفع الرئيس بري للقول أمام زوّاره: «لولا الطائفية لوجب ان تندلع ثورة تكتسحنا جميعا، لأنّ الوضع أصبح لا يطاق، وكل قضية من القضايا العالقة كافية لتكون شرارة الثورة..» بحسب ما نقلت جريدة السفير عن أحد زوّاره.

 

اعتصام صور
ومؤخراً، ومع انفجار أزمة النفايات في لبنان، برز تحركان مطلبيان في أكبر مدينتين جنوبيتين هما صور والنبطية ضدّ إهمال وزراء ونواب حزب الله وحركة أمل لهما. رفع خلالها الجنوبيون شعارات مناهضة لسياسة الإنماء الغائبة عن الجنوب، مردّدين «يلي هزم إسرائيل عيب تهزمو الكهربا والزبالة»، وقد جمع المعترضون عشرات الشبّان والناشطين في الاعتصامين غير المسبوقين داخل مدن ومناطق شيعية بوجه “السلطة” الشيعية وليس بوجه “الدولة” أو “الحكومة” كما درجت العادة.
التحركان الشعبيان الأخيران اللذان حصلا في صور والنبطية في 11 و12 آب الجاري، إضافة إلى التحرك السابق في رياض الصلح، الذي دعا إليه موقع «جنوبية» و «مركز الحوار العربي»، هذه التحرّكات تشكّل بارقة أمل وفيها ما يؤكدّ على أنّ الطائفة الشيعية تعي يومًا بعد يوم خطورة ما يجرّها حزب الله إليه بتحالفه مع الفساد داخليا، وبتحالفه مع النظام السوري وتبعيّته لإيران على الصعيد الخارجي.

السابق
«المطار الإنكليزي» في مرجعيون: آثار منسيّة من الحرب العالمية الثانية
التالي
عن الفوضى الكيانيّة واستعصاء الحداثة