قل إيران ولا تقل الشيعة

السفارة الايرانية في لبنان

قامت دولة إسرائيل على زعم مؤداه أنها الممثل الحصري ليهود العالم؛ وسعت منذ نشأتها وحتى الآن للترويج لهذا الزعم الذى تنفيه حقائق العلم فضلا عن
وقائع التاريخ والحاضر، ولقد ابتلع الكثيرون منا هذا الزعم الإسرائيلى فصدقناه واعتبرنا أن كل يهودى منتم لإسرائيل؛ وحتى إذا قال وفعل غير ذلك تمسكنا بإدانته حتى ندفعه دفعا صوب إسرائيل. لقد سلمنا نحن العرب والمصريين يهودنا العرب إلى أحضان إسرائيل؛ ودفعنا وما زلنا ندفع ثمنا غاليا لتلك الخطيئة. خطيئة وهم الدولة المسئولة عن أتباع مذهب أو ديانة ينتشرون فى أنحاء العالم.

ولكن يبدو أننا مصرون على عدم الاستفادة من أخطائنا، فالكثير منا يخلطون بوعى أو بغير وعى بين دولة إيران والمذهب الشيعي. نفس الخطيئة التاريخية تتكرر ولعل الثمن هذه المرة سوف يكون أفدح. تقول لنا الجغرافيا ويقول لنا التاريخ ان إيران الدولة الفارسية كانت حيث هى منذ قديم الزمان وظلت كذلك وستظل فارسية الهوية واللسان رغم توالى تغير انتماء حكامها الديني، وعلاقات الدول تحكمها المصالح وموازين القوى فى المقام الأول والأخير؛ وليست إيران باستثناء فى هذا الصدد. لقد كانت إيران دولة سنية حتى القرن العاشر الهجري؛ حين وصل الشاه إسماعيل الصفوى إلى الحكم سنة 907 هـ وأعلن اعتناقه المذهب الشيعى لأسباب سياسية بحتة تتعلق بعلاقة إيران بالخلافة العثمانية الإسلامية، حيث بدا للشاه إسماعيل أن السبيل الأمثل للوقوف فى وجه الانتشار العثمانى السني؛ أن تصبح بلده شيعية المذهب، أى أن التحول المذهبى لم يكن له علاقة بالاقتناع الفكرى الشخصى أو تحول الهوى الجماهيرى المذهبي، حتى أن عددا من المصادر تشير إلى أنه حين رأى الشاه إسماعيل أنه من العسير عليه أن يوفر للناس حقيقة المعتقد الشيعى وترسيخ مبادئه فى نفوسهم، فى ظل ندرة دعاة المذهب الشيعى عمد إلى استحضار علماء الشيعة من جبل عامل بلبنان؛ ولم يلبث العثمانيون أن ألحقوا الهزيمة بالدولة الفارسية الصفوية، وفى الخامس من سبتمبر 1514 دخل سليم الأول مدينة تبريز عاصمة الصفويين واستولى على أموال إسماعيل الصفوى وبعث بها إلى إستانبول، ولسنا بحال فى مجال تتبع مسيرة عودة إيران إلى التشيع. ولكن يكفينا أن نعرض عرضا سريعا لبعض الإحصاءات السكانية.

الشيعة في لبنان

يقدر الشيعة فى العالم بنحو 194 مليونا يمثلون نحو 14% من مجموع المسلمين. ويبلغ الشيعة فى إيران نحو 63 مليونا، أى نحو ثلث الشيعة فى العالم، بينما يتوزع الثلثان بين بقية دول العالم وهى بالمصادفة تعادل تقريبا نسبة يهود إسرائيل إلى يهود العالم، كذلك فإن نسبة أبناء المذهب الشيعى فى إيران نحو 90%، بينما يقدر أبناء المذهب السنى بنحو 10% أى ما يقترب بالمصادفة من نسبة غير اليهود فى إسرائيل.

ورغم تلك الحقائق السكانية التاريخية الفكرية؛ فإن ثمة من يحاولون دفعنا للنظر إلى دولة إيران باعتبارها الممثل الوحيد للشيعة؛ متجاوزين كل تلك الحقائق؛ ومتجاهلين أيضا -وهو الأهم-أن الصراعات بين الدول صراعات موقوتة قابلة للتسوية مع تغير الظروف، أما الصدام بين المذاهب أو بين الأديان فهو صدام – إذا ما حدث -لا يعرف حلولا وسطى على المدى المنظور.

ولقد فسر الصديق الراحل السيد هانى فحص العالم والمفكر الشيعى اللبنانى تعقد العلاقة بين إيران الدولة والشيعة فى لبنان، وكان السيد هانى بصحبة أبو عمار على متن أول طائرة تصل إلى طهران بعد نجاح الثورة، وأقام فى إيران ثلاثة أعوام من عام 1982 الى عام 1985 بعدما عين مسئولا ثقافيا فى مركز الاتصال بعلماء المسلمين فى رئاسة الجمهورية الإيرانية، وكان دائم التنقل بين لبنان وإيران. يعرض السيد هانى فى حديث منشور بجريدة الشرق الأوسط فى 17 أغسطس 2008 لطبيعة وتطور العلاقة المعقدة بين دولة إيران بعد ثورة الخمينى وكل من منظمة فتح وحركة أمل ونظام القذافي، وكيف أن حزب الله الشيعى قد نشأ على أنقاض حركة أمل الشيعية بمساندة إيرانية، ولا يتسع المجال لعرض تفاصيل رؤية الصديق الراحل السيد هاني، ويكفى أن نستخلص أن طبيعة العلاقة بين دولة إيران الإسلامية والقوى المتصارعة فى المنطقة كانت بالأساس علاقة سياسية بأكثر منها علاقة مذهبية دينية.

إن الخلاف أو حتى تصادم المصالح مع دولة إيران يمكن إدارته كما تدار الخلافات بل والصراعات بين الدول، أما تصوير الأمر باعتباره صراعا بين الشيعة والسنة؛ فإنه يعنى إلغاء التمايز القومى الطبيعى بين الشيعة الإيرانيين وبقية أبناء المذهب الشيعى المنتشرين فى العالم ومنهم الشيعة العرب؛ واعتبار أن اعتناق الفرد للمذهب الشيعى يخرجه عن إطار التزامه القومي؛ وبالمثل فلكى يستقيم تصوير الأمر باعتباره صراعا شيعيا سنيا ينبغى التسليم أيضا بأن الانتماء السنى ينبغى أن يعلو على الانتماء للأوطان. ويصب كل ذلك فى النهاية فى مخطط إعادة تقسيم المنطقة وفقا للعقائد والمذاهب بحيث تصبح المنطقة بكاملها جاهزة للقبول بالمفهوم الصهيونى للانتماء للدين باعتباره انتماء عابرا للقوميات؛ ومن ثم لا تصبح إسرائيل دولة يهودية فحسب بل تصبح دولة يهود العالم.

خلاصة القول إنه يجب علينا فى خطابنا السياسى أن نكف عن الحديث عن صراع سنى شيعي؛ وأن يكون المجال الوحيد لحوار سنى شيعى هو ملتقيات التقريب بين المذاهب؛ أما فى مجال الصراعات السياسية فلنا أن نتحدث عن إيران باعتبارها دولة لها مصالحها التى قد تتعارض مع مصالحنا.

(الاهرام)

السابق
هذا ما قاله ظريف للسيّد نصر الله… فأغضبه
التالي
تراجع مدنية الدولة