العراق: ثلاثية «المرجعية والشعب والعبادي» ثارت ضدّ الفساد

الحاكمون في العراق في عهد ما بعد صدام هم الغالبية الشيعية، غير أنهم أثبتوا فشلهم في الحكم والإدارة حتى كادوا أن يخسروا وطنهم من جديد بسبب الفساد وعودة الارهاب، فهل تكون هذه الثورة الاصلاحية التي بدأ بها العبادي، مدعوما من المرجعية الدينية، بداية لنهاية عهد الفشل والاخفاقات في الحكم بالعراق؟

صادق مجلس النواب العراقي أمس بالاجماع على ورقة الاصلاح الحكومي المقدمة من رئيس الوزراء حيدر العبادي.

وكان رئيس وزراء حيدر العبادي أصدر الاحد مجموعة من توجيهات تقضي بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فوراً، وتقليص عدد الحراس والحمايات لدى المسؤولين إضافة الى فتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت اشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد تتشكل من المختصين وتعمل بمبدأ “من اين لك هذا”. كما دعا القضاء الى اعتماد عدد من القضاة المختصين المعروفين بالنزاهة التامة للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين.

لقد أثبت العبادي بعد عام من توليه مسؤولية رئاسة الوزراء في بلاده أنه رجل المرحلة المطلوبة في العراق، دعمته المرجعية الشيعية في النجف بشخص السيّد السيستاني مباشرة لبناء دولة القانون ومن اجل التخلّص من مافيات الفساد التي استشرت في عهد سلفه نوري المالكي، كما انتظرت من العبادي النجاح في اعادة بناء الجيش العراقي الذي قوّضه سلفه أيضا من أجل الانتصار على الارهاب واستعادة الارض التي احتلها داعش.

الحراك الحاصل في العراق على المستوى الشعبي شيعيا يعود تاريخه إلى عام مضى، عندما حاصرت الاحزاب الشيعية الدينية العبادي في بداية عهده، فاشترط المالكي كي يتنازل عن منصب رئاسة الوزراء أن يبقي على بطانته وحاشيته في الدولة وأن يتقلّد منصب نائب رئيس الجمهورية. كما احتفظ برئاسته لحزب الدعوة. أما المجلس الاعلى وعمار الحكيم ومنظمة بدر فقد فرضوا أنفسهم في وزارات سيادية و”دسمة”، وكذلك فعل الصدريون وغيرهم من المكونات الشيعية السياسية.

إنتظر رئيس الوزراء عاما كاملا وهو يحاول الاصلاح في جميع ادارات الدولة دون جدوى، لأن رموز الفساد ما زالت موجودة وكذلك أقنيتها. ولمّا استفحل الأمر ورأى الشعب أن الاصلاحات التي يقوم بها رئيس وزرائهم المشهود له بالكفاءة والاستقامة يفشّلها الفاسدون الذين ما زالوا في وزارات الدولة واروقتها وتحميهم مناصب عليا، فإن المرجعية عاودت تحرّكها من جديد في انسجام بينها وبين شرائح الشعب العراقي الذي اكتشف اعداءه أخيرا، وهم ساسة العهد السابق ورجال الدين المسيّسون المتشبثون في السلطة.

وكان السيستاني قد لام “هؤلاء المعمّمين الذين استهوتهم الدنيا فتركوا الدين وأصبحوا يفتشون عن مصالحهم السياسية”. لذلك فإن هذا التحرّك الشعبي الأخير باركته المرجعية بكل قوّتها بل دعت إليه. حتى كانت حزمة الإصلاحات التي أمر بها العبادي ومثّلت انعكاساً للتفويض الذي حصل عليه من قبل المتظاهرين والمرجع الديني السيد علي السيستاني على حدّ سواء.

هذا ولقيت القرارات الشجاعة وحزمة الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي أصداء وتغطية موسعة في وسائل الإعلام العربية والعالمية التي لم تقتصر على الدور الناقل لتفاصيل الأخبار المتعلقة بهذا الشأن. بل انها قدمت تحليلات وتقارير مفصّلة لحزمة الإصلاحات وما تمثله من تغيّر مرتقب في المشهد السياسي برمته في العراق. بل ان بعض وسائل الإعلام الغربية اعتبرت أن قرارات العبادي الشجاعة المدعومة من المرجعية الدينية والشعب العراقي بمثابة «منعطف تاريخي ونقطة تحوّل» لمسار العراق ونهاية حقبة «ما بعد 2003».

ونقلت «نيويورك تايمز» عن أحمد علي، الخبير العراقي والزميل في معهد «الدراسات الإقليمية والدولية» بالجامعة الأميركية في العراق، أن «مقترحات العبادي هي أجرأ عمل شاهدناه حتى الآن».

حيدر العبادي مع طياري ف 16

ولأن الأزمة العراقية الحالية هي شيعية بامتياز، فإن ثلاثية المرجعية الدينية، والشعب، واصلاحات العبادي، هي من تطبع العهد الجديد القادم، عهد هدفه القضاء على الفساد، وبناء الجيش العراقي الجديد للقضاء على الارهاب، وإرساء دولة القانون…

السابق
ظريف من الخارجية: نرحب بالحوار ولا نتدخل في شؤون لبنان الداخلية
التالي
تركيا وإيران توسطتا في هدنة الزبداني والفوعة وكفريا