إيران تغطي ضعفها

بُعيد توقيع الاتفاق النووي نشطت القيادة الإيرانية في محاولة للتغطية على عوامل الضعف التي كشفها الاتفاق بتقمص موقف القوي المبادر، فقد عكست تصريحاتهم مواقف قوية ومتحدية وأخرى داعية إلى الحوار مع دول الجوار مع تمسك واضح بمواقف إيران التقليدية. من المعلوم أن ثمة تيارين في السلطة في إيران، تيار متشدد في البرلمان والحرس الثوري، وتيار معتدل في الرئاسة والحكومة وبينهما يلعب المرشد الأعلى لضبط التوازنات الداخلية والإمساك بالقرار السياسي. التيار الأول يريد المحافظة على السياسة التقليدية، التي تعتمد التدخل في شؤون دول الجوار والعمل على زعزعة الاستقرار فيها لفرض شروط إيران وتحقيق مصالحها، للمحافظة على دوره هو وحصته في النفوذ والمصالح الاقتصادية، وقد عبر عن ذلك بصراحة وغطرسة قادة في التيار وجنرالات في الحرس، والتيار الثاني، يدعمه في ذلك التيار الإصلاحي، يريد استثمار الاتفاق حول البرنامج النووي ورفع العقوبات في تكريس مرونة سياسية وفتح الأبواب للتعاون مع الغرب والعالم من أجل تثبيت حضوره هو ودوره في المعادلة الوطنية، لكن مع تمسك بمواقف إيران التقليدية من الملفات الإقليمية(الموقف من الملفين السوري واليمني) فعلى الرغم من المرونة الشكلية مع دول الجوار العربي، التي أعلنها الرئيس وأركان حكومته، فان المحتوى الحقيقي لمواقفه لا يكاد يختلف عن موقف التيار المتشدد إلا في الشكل، فبالإضافة إلى الإعلان عن تمسكهم بالحلفاء ومواصلة دعمهم كما في السابق فان ما طرحوه لحل الملفين اليمني والسوري لا ينطوي على مرونة أو اعتدال.

 

فعودة الوزير ظريف في مقالته “الجار ثم الدار.. توصية أخلاقية أم ضرورة إستراتيجية”، نشرت يوم 3/8/2015 في أربع صحف عربية(السفير اللبنانية، الشروق المصرية، الرأي الكويتية والشرق القطرية) إلى التمسك بالحل الذي سبق طرحه للصراع اليمني(حل قائم على وقف إطلاق النار فورا، وإرسال مساعدات إنسانية إلى المدنيين اليمنيين، وتسهيل الحوار بين المجموعات اليمنية داخل البلاد، وفي نهاية الأمر توجيههم إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة)، حل يكاد يكون تكرارا لما طرحه قبل عامين للصراع في سوريا، والذي رفضته دول التحالف العربي، تشي بالكثير. وموقفه من ملف الصراع السوري ليس أفضل حالا فقد سلم قبل عامين خطة للحل إلى الأمم المتحدة قائمة على:

وقف إطلاق النار من قِبل كل الأطراف، وفرض سيطرة ورقابة على الحدود لمنع مرور ودخول أي مسلحين أو أي دعم للتنظيمات في الداخل، فضلا عن فتح الممرات لعبور المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية للمدنيين في المناطق المنكوبة، تشكيل حكومة وحدة وطنية تقتصر على ممثلين عن النظام ومعارضة الداخل، والمباشرة في وضع أسس نظام جديد لنقل صلاحيات رئاسية إلى الحكومة، بحيث تصبح هذه الحكومة مع مرور السنوات متمتعة بصلاحيات واسعة، وإعداد انتخابات برلمانية ورئاسية”، وقد تحدث مساعده عبداللهيان عن تعديل لها، ونقلت وسائل الإعلام صيغة التعديل المقترح:” وقف فوري لإطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعديل الدستور السوري( في بند تعديل الدستور خرق للاءات النظام الأربعة: لا مساس بموقع الرئاسة، لا مساس بالجيش، لا مساس بأجهزة الأمن، لا مساس بالدستور) بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية في سوريا، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف مراقبين دوليين”. ما يعني القفز على بند “هيئة حكم كاملة الصلاحيات” في بيان جنيف وتبني نظام محاصصة عرقية وطائفية وإقامة كيان سياسي هش يسهل على إيران، في حال اضطرت إلى التخلي عن النظام في ضوء حالة الإنهاك التي بدأت تعكسها هزائمه المتلاحقة، اللعب داخله من خلال العلاقة مع المكونين العلوي والشيعي. وجاءت دعوته إلى تشكيل ما اسماه بـ”مجمع للحوار الإقليمي” في منطقتنا(في مقالته في النيويورك تايمز تحت عنوان “رسالة من إيران” نشرت بتاريخ 21/4/2015 استخدم تعبير “منتدى جماعيا لمنطقة الخليج الفارسي الموسّع” بدل “منطقتنا” في المقالة بالعربية، موقف مزدوج تكرر في السلوك الإيراني مرارا من ترجمة خطاب الرئيس المصري محمد مرسي في المؤتمر الإسلامي في طهران،

 

حيث ترجم كلامه عن سوريا على انه عن البحرين، إلى ما كشف عنه من وجود تباين بين النص الانكليزي والفارسي لنص الاتفاق النووي الذي وزعته الحكومة الإيرانية)، ومن ثم بين جميع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، لغرض تسهيل التعامل، حاجة ماسة كان ينبغي المبادرة إليه قبل هذا بكثير، ولا بد أن يكون الحوار الإقليمي وفق أهداف مشتركة ومبادئ عامة تعترف بها دول المنطقة، وأهمها: ـ احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلميا، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة. المرشد خامنئي من جانبه وازن بين الطرفين فمن جهة أعلن تمسكه بمواقف إيران التقليدية وهاجم الموقف الأمريكي وشكك بتنفيذ بنود الاتفاق ومن جهة ثانية حمى الفريق المفاوض ودافع عنه ورد على منتقديه، ففي كلمة ألقاها بمناسبة عيد الفطر، بثها التلفزيون الرسمي مباشرة، وتخللتها الهتافات التقليدية:”الموت لأميركا” و”الموت لإسرائيل”، قال:”إن إيران لن تتخلى عن دعم أصدقائها في المنطقة، والشعبين المضطهدين في فلسطين واليمن، والشعبين والحكومتين في سوريا والعراق، والشعب المضطهد في البحرين، والمقاتلين الأبرار في المقاومة في لبنان وفلسطين”،

 

وشدّد على “أن سياسات الولايات المتحدة في المنطقة متعارضة بنسبة 180% مع مواقف إيران”، وأضاف “كررنا مرات عديدة، أننا لا نجري أي حوار مع الولايات المتحدة حول المسائل الدولية والإقليمية أو الثنائية واضح أن هدف التيارين المتشدد والمعتدل، كل بطريقته، الرد على التنازل الذي قدمته إيران في الاتفاق النووي، اعتبره منسق نشاطات اللوبي الإيراني في أمريكا البروفسور الإيراني ولي نصر “تقويضا للإستراتيجية الإيرانية”، عبر العمل على تحقيق مكاسب إقليمية على حساب دول المنطقة وتكريس إيران لاعبا إقليميا قويا في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، عن طريق التدخل في شؤونها الداخلية بالنسبة للتيار المتشدد، وعن طريق تشكيل شرق أوسط جديد تلعب فيه دورا قياديا.

(المدن)

السابق
عودة إيران «الدولة» تقلق «حزب الله»
التالي
ظريف تجاهل عون ودعم سلام