يا جمهور حزب الله بعد اتفاق ايران وأميركا: أوقفوا نهر دمائكم

بعد توقيع الاتفاق النووي في فيينا الشهر الماضي بين ايران والدول الغربية الكبرى، يوجه الاعلامي والناشط السياسي عماد قميحة رسالة إلى جمهور حزب الله داعيا اياه للنقاش ونقد تجربته واعادة النظر بالشعارات التي حمّلته اياها قيادته طيلة عقود منصرمة، فماذا هو فاعل بعد أن تهاوت تلك الشعارات المعادية للولايات المتحدة الأميركية والغرب والتي قام عليها فكر الامام الخميني وتحوّلت الى عقيدة للثورة الاسلامية في ايران وللحزب الذي ينتمي الى نهجها في لبنان؟

أهلي، أقربائي، إخوتي، أحبّتي من جمهور حزب الله ،

تحية طيبة وبعد،

أعرف تماما مدى التعلق والحب الذي تكنّونه لقيادة حزب الله وعلى رأسهم سماحة الامين العام السيد حسن نصرالله، وأعرف ايضا أنّ قيادة الحزب لا تريد بكم او باللبنانيين الا الخير الذي تشخصه هي، والتي تعتبر أنّ فيه سعادتكم بالدنيا والآخرة، وأنّ هذه القيادة لا تألو أيّ جهد يمكن ان يساهم في رفعة شأنكم وتأمين متطلباتكم الحياتية، وهي حريصة كل الحرص بألا ترمي شبابنا في التهلكة او ان تتساهل، لا سمح الله، بقطرة دم واحدة من دماءكم الا من اجل اهداف سامية تراها هي انها تستحق بذل الدماء والارواح في سبيلها،

 

اقول قولي هذا ليس من موقع المداهنة او المجاملة والعياذ بالله، او لاجل بناء جسور نفسية بيني وبينكم، وانما اقوله صادقا مقتنعا، وعارفا ربما اكثر من كثيرين منكم 

انّ هذا كله لا يمنع البتة من القول إنّ هناك مسؤولية شرعية ووطنية هي برقبة كل واحد منكم على حدة، وأنّ كلّ واحد فيكم هو مسؤول ايضا امام الله وامام التاريخ بأن يكون لديه وجهة نظر او ملاحظة او امر بمعروف يأمر به حتى القيادة ، فلا يكفي هنا هذا الاطمئنان لحسن نوايا القيادة او حتى اليقين بها لتنزاح المسؤولية عن كاهل احدكم ورميها على اكتاف القيمين واولي الامر ،

 

فالصدق وحسن النية لا يعنيان بالضرورة حسن الاختيار، كما أنّ النصيحة والارشاد لا تعني مطلقا التشكيك بسرائر من تُعطى لهم النصيحة، خصوصاً أنّنا نعيش في زمن الغيبة وافتقاد امامنا المعصوم، وان سماحة السيد حسن ومعه كل القيادة المحترمة لم يدّعوا يوما  العصمة ولا هم يتكبرون عن الاستماع الى النصيحة التي امرنا بها الامام علي بن ابي طالب بقوله: “فعليكم بالتناصح .. وليس امرؤ وان عظمت في الحق منزلته، وتقدمت في الدين فضيلته بفوق ان يعان .. “،

 

وكما قال (ع) في نهج البلاغة: “… فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند اهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له او العدل ان يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن اخطىء…”،

 فإذا كانت هذه هي الحال مع أمير المؤمنين بأن أمرنا أن ننصحه، فإنّ سماحة السيد حسن هو حتما اقل بكثير من مولاه الامام علي بن ابي طالب،

 

لهذا كلّه،

يا أهلي الأحباء،

 

لقد حصل في 2 نيسان الماضي ان توصلت الجمهورية الاسلامية والدول الكبرى وعلى رأسهم اميركا الى اتفاق تاريخي بينهم، والحمدلله ان قيادة الجمهورية الايرانية قد وفقت الى ما فيه مصلحة شعبها وجمهورها الذي لا نكن له الا كل الخير، واخذت خيارها التاريخي هذا بالمصالحة مع المجتمع الدولي لما رأت فيه خير شعبها وناسها، ولا يسعنا في هذا المجال الا ان نبارك لهم هذه الخطوة الجبارة التي سوف تطوي عقودا من الصراع والاشتباك الذي تحملنا نحن شيعة لبنان حصة كبيرة منه، وساهمنا بالكثير الكثير من دمائنا وجهودنا من اجل الوصول الى هذه الخاتمة السعيدة عبر التعاون المشترك بيننا وبين ايران لما فيه مصلحة مشتركة لا لبس فيها ، فحررنا ارضنا وجنوبنا الحبيب بفضل مساعدتهم وكذلك هم قد حسنوا من شروط اتفاقهم بفضل الاعتماد على قوتنا كحلفاء لهم،

 

لكن وقد انتهت حالة الصراع وبدأت مسيرة جديدة مختلفة تماما وفتحت صفحة بيضاء بين ايران وبين المجتمع الدولي مبنية على اتفاق موقع واسس مختلفة تماما، فهذا الحدث التاريخي الكبير والتحول العظيم لا بدّ أن يلقي بظلاله على ساحتنا وبين ظهرانينا وفي بلدنا ايضا، فكما كنا خلال أيام الصراع شركاء حقيقيين، كذلك يجب ان نكون ايام الرخاء شركاء حقيقيين،

 

وبالتالي فإنّ هذا التحول العظيم والايجابي قد لا تستطيع قيادة حزب الله في لبنان ان تسير به وان تخطو أولى خطواته، ليس بسبب عدم قناعتها به او استساغتها له، او لعدم الرغبة، لا سمح الله، منها بإنهاء حالة المعاناة والتضحيات عندكم، وانما بسبب ما يستوجبه هذا التحول الكبير من التخلي عن الكثير الكثير من الادبيات التي لطالما صدحت بها قيادتكم، والاستغناء عن الكثير الكثير من الشعارات التي اسست فيكم لثقافة تخدم تلك االمرحلة البائدة، وبالتالي فإنّ قيادة حزب الله هي في وضع محرج جداً معكم، وبمكان لا تحسد عليه امامكم، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار المعلومات التي تقول إنّ قيادة حزب الله لم تكن تتوقع حصول هذا الاتفاق المبارك،

 

من هنا فإننا نعتقد جازمين أنّ السيد حسن نصرالله هو الآن في أمسّ الحاجة الى مساعدتكم ومدّ يد العون له وإعانته من اجل العبور الامن الى المرحلة الجديدة، عبر خلق رأي عام يساهم في التخفيف من وطأة القرارات الجديدة التي يجب ان تؤخذ وفق المتغيرات الحاصلة، 

 

فإنّه من غير المنطقي ان تسير ايران والمنطقة معها نحو تسويات بدأت ارهاصاتها بالظهور في اليمن والعراق وسوف تصل حتماً الى سوريا ولبنان، في وقت نحن لا نزال نشيّع شبابنا كل يوم،

 

فإذا كان السكوت منكم عن كل هذه التضحيات  والدماء هو امر مفهوم قبل الاتفاق النووي الإيراني الغربي، فإنّ السكوت الآن لا معنى له ولا مبرّر، وقد لا يوضع في خانة الطاعة،

 

وأنا على يقين بأنّ تكليفكم الشرعي الآن هو مساعدة القيادة عبر أمرها بالمعروف والتجرؤ على اعطاء النصيحة بالتوقف عن هدر أيّ نقطة دم جديدة قد تسقط، في زمن التسويات الكبرى.

 

 

السابق
شاهد الجوع السوري على أرصفة الفقر البيروتي
التالي
العبادي وجّه ضربته الشعبية فكيف سيردّ الفاسدون في العراق؟