أهل الزبداني يسطرون كربلاء سوريا أمام حزب الله والأسد

تعتبر معركة الزبداني من أكثر المعارك إثارة للجدل في سوريا منذ اندلاع الثورة حتى الآن، فالمعركة بتفاصيلها وأبعادها العسكرية والسياسية والدينية تذكرنا بالمواجهة الأكثر إثارة للجدل في التاريخ الاسلامي، وهي معركة الحق ضد الباطل في كربلاء.

يمكن لأي شخص تصفح أي كتاب من كتب التاريخ سواء لدى السنة أو الشيعة، والقراءة عن هذه المعركة، ومقارنتها بما يجري من مواجهات وأحداث في المدينة التي استقبلت أهالي حزب الله في حرب تموز عام الفين وستة. فيمكن للقارىء أن يلاحظ الآتي:

1 – معركة كربلاء دارت بين حاكم ظالم وفاسد وهو يزيد، وبين فئة قليلة (الحسين وأصحابه) تطالب بالعدل والاصلاح والحرية، واليوم تشهد الزبداني اشتباكات بين أهالي المدينة وقوات النظام ومواليه. والزبداني هي من أوائل المدن التي ثارت ضد حكم النظام السوري القمعي والدموي.

2- ليس لمعركة كربلاء أهمية من الناحية العسكرية، لأن نتيجتها كانت محسومة سلفًا نظرًا لعدم التكافؤ بالعدد والعتاد. فجيش عمر بن سعد كان يفوق الثلاثين الفًا، بينما لم يكن مع الإمام الحسين رضي الله عنه أكثر من ثمانين رجلاً  هم أهل البيت وأصحابه. في الزبداني أيضا، المعركة لا تغير في التوازنات الميدانية لما يجري في سوريا بشكل عام، لأن المدينة ساقطة عسكريًا ولا يمكن أن يهدد العناصر داخلها أي طريق حيوي للنظام. كما أن عدد المسلحين لا يتعدى الخمسمئة. بينما عديد جيش النظام السوري وحزب الله يقدر بالآلاف، فضلاً عن انعدام أي توازن من ناحية العتاد والسلاح والذخيرة.

ليس لمعركة كربلاء أهمية من الناحية العسكرية، لأن نتيجتها كانت محسومة سلفًا نظرًا لعدم التكافؤ بالعدد والعتاد

3 – أهمية المعركة تكمن في الأبعاد الدينية والنفسية والإنسانية، لما تحمله من انقلاب واضح في المعايير. إذ أسقطت هذه المعركة  دعاية حزب الله وأيديولوجيته التي كانت ترفع وما زالت لواء الحسين والدفاع عن المستضعفين، ومجابهة الظالمين والتكفيريين والصهاينة. ففي الزبداني كما يعرف الجميع، وكما يظهر من أسماء الشهداء الذين يسقطون في هذه المعركة، هم من أبناء هذه المنطقة التي احتضنت عوائل حزب الله عام الفين وستة حين شنّ العدو الصهيوني عدوانه على لبنان. في المقابل، تظهر معركة كربلاء هذا البعد العميق، حيث لم يكترث جيش يزيد بخصوصية الإمام الحسين حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد شباب أهل الجنة.

الشهداء الذين يسقطون في معركة الزبداني هم من أبناء هذه المنطقة التي احتضنت عوائل حزب الله عام الفين وستة
4 – قبل أن تبدأ المعركة منع عمر بن سعد الماء عن الامام الحسين وأهل بيته، فلبثوا أيامًا يعانون من العطش والجوع، حتى استشهد رحمه الله وهو عطشان. حال أهل الزبداني لا يختلف كثيرًا عمّا عاناه الإمام الحسين، فالنظام يحاصر مدينة الزبداني منذ أربع سنوات، ويمنع دخول أي مواد إغاثية أو طبية.

5 – ما إن بدأت المعركة حتى أمطر الرماة أصحاب الحسين بوابل من السهام، السهام عينها تحولت الى براميل متفجرة وصواريخ وقذائف انهمرت على مدينة الزبداني .
6 – بدأ الهجوم من جهات متعددة، وقد بدأ أصحاب الحسين يتساقطون الواحد تلو الآخر، أستشهد أولاده وأخوته وأبناء أعمامه، وظل الحسين يقاتل حتى الشهادة. كذلك الحال في الزبداني، كل يوم يسقط الواحد تلو الآخر أمام أخيه أو إبن عمه أو أبيه أو إبنه. والآخر ينتظر دوره، ويتسابق للحاق به.

لإمام الحسين : “ليس شأني شأن من يخاف الموت، ليس الموت في سبيل العزّ إلاّ حياة خالدة، وليست الحياة مع الذّل إلاّ الموت الذي لا حياة معه
7 – كتب عمر بن سعد إلى الامام الحسين يعرض عليه البيعة ليزيد، والرجوع عن مطالبه الى مكة، فقال له الإمام الحسين: “ليس شأني شأن من يخاف الموت، ليس الموت في سبيل العزّ إلاّ حياة خالدة، وليست الحياة مع الذّل إلاّ الموت الذي لا حياة معه، وهل تقدرون على أكثر من قتلي، ولكنكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزي وشرفي، فإذاً لا أبالي بالقتل ..”. فيما عرض النظام السوري على أهل الزبداني عرضًا اقسى من ذلك، إذ طالبهم بالاستسلام، والخروج من مدينتهم كي يجنبوا أنفسهم الموت وبيوتهم الدمار. فكان ردهم: “الموت على أرضنا وتراب مدينتنا بشرف وعز وكرامة، أشرف من الهروب أحياء منها يلحقنا العار والذل أينما حللنا”.

سيسجل التاريخ أن الزبداني ستكون عروس سوريا وأيقونتها، بصمود أهلها واستبسالهم في القتال حتى الموت وتضحيتهم بأنفسهم ورفضهم تسليم مدينتهم .. سيسجل التاريخ أن الزبداني خاضت أقدس معركة، وأشرف مواجهة. حيث ينتصر الدم على السيف، فاستحقت بجدارة أن تمنح لقب “كربلاء سوريا”.

السابق
عون لا رئاسة ولا قيادة!
التالي
اللاشعور السياسي