جاد الحاج ابن عرمتى الجنوبية (2/2): سجن عادل داخل بيروت يحلّ أزمة السجون

بعد أن تطرقت "جنوبية" في الحلقة الأولى عن جاد الحاج، ابن بلدة عرمتى الجنوبية، إلى حصوله على المرتبة الأولى في كليّة الهندسة بمشروع «السجن العادل»، نستكمل في الحلقة الثانية شرح تفاصيل هذا المشروع الذي يبشّر بسجون أكثر إنسانية في لبنان والوطن العربي.

عودة سجن رومية إلى الواجهة أخيراً فتحت ملفات كلّ السجون اللبنانية على الممارسات اللإنسانية بحقّ السجناء، فضلاً عن افتقارها لأقل شروط السلامة ومعايير حقوق الانسان . فلسجون لبنان وجه كالح ممعن في التخلف، وبعيد كلّ البعد عن الحضارة والتقدم التي نتغنّى بها نحن اللبنانيين. 58 في المئة من سبعة آلاف مسجون لبناني تقريبا يقبعون وراء القضبان بلا محاكمة. مهما كان الجرم أو الجناية فسجين سجلّه حافل بقضايا الإرهاب أو المخدرات يقبع في زنزانة واحدة مع من حكم علية بجنحة سرقة أو مخالفة عادية.

هكذا فإنّ واقع السجون في لبنان لا يزال على حاله منذ ما قبل استقلال لبنان: بؤر للإجرام والفساد فاحت رائحتها في الآونة الأخيرة، ما استدعى البحث في ضرورة حتميّة لمعالجة هذه الفضيحة..

في مبادرة قام بها المهندس جاد الحاج المتخرج حديثًا من الجامعة اللبنانية كلية الفنون – قسم الهندسة المعمارية، والتي من شأنها طيّ صفحة أزمة السجون اللبنانية، طرح الحاج في مشروع تخرجه حلاً لهذه الأزمة من خلال نموذج معماري لمركز تأهيلي للمساجين تفوّق خلاله على زملائه في الدفعة.

والجديد الّذي قدّمه هذا المشروع المعماري في عالمنا العربي، يكمن في سعيه إلى تقديم نموذج لمراكز تأهيل للمساجين من مختلف الجوانب المتصلة به. وهذه العملية مرتبطة بمنظومة تأهيلية جديدة تستغل فترة الحكم التي يقضيها المحكوم في السجن من أجل إعادة تأهيله ومساعدته على الإنخراط من جديد بشكل سليم في المجتمع.

وقد قرأ جاد عن “السجون في العالم وفي لبنان، الوظيفة الاجتماعية للمؤسسات العقابية في العالم وفي لبنان، أنظمة السجون في الفكر الجنائي الحديث وكيفية تأثير الفراغات المعمارية على نفسية السجين، أساليب إعادة تنشئة المحكوم عليه، الخصائص المعمارية للسجون، إعتبارات التصميم الرئيسية»، بحسب حديثه لـ«جنوبية».

وفي تفاصيل المشروع، يشرح الحاج: «هناك ثلاث مراحل تأهيلية الانتقال بينها يعتمد على جهود السجين لتحسين سلوكه، وللتدرب على الحياة الحرّة المتوافقة مع أحكام القانون. المرحلة الأولى هي العزل، والثانية هي إعادة التأهيل والأخيرة هي إعادة انخراط السجين في المجتمع. ويكون الانتقال أفقيا”.

نشاطات السجين بالمرحلة الأولى تكون محصورة بقاعة مخصصة. ويجتمع السجناء المعزولين في أوقات الطعام بقاعة واحدة مخصصة لذلك وفي المناسبات، إضافة إلى قاعة للالتقاء بالأهل. في المرحلة الثانية غرفة مشتركة لسجينين إضافة إلى صفوف للدراسة وفق نظام تعليمي يؤمن للسجين إمكانية تحصيل شهادة. وفي الثالثة نادٍ رياضي ومعمل لحياكة الملابس تحت الأرض وملعب لكرة السلة، وحديقة للزراعة.

في كلّ مرحلة هناك ساحة خارجية للاستراحة، ويوفر المركز تغطية لكل الخدمات من مطبخ لـ300 سجين ومكان لغسل الملابس إضافة إلى موقف لسيارات العاملين في المركز.

أما عدد السجناء “فهو 300، منهم 100 لكلّ مرحلة، وذلك استنادا إلى دراسة أجرتها وزارة الداخلية العام 2008 بأن عدد السجناء الذين يتأهلون هو بين 250 إلى 270. ونأخذ في الاعتبار مساحة العقار والقوانين والأسس اللازمة للتصميم”.

كما أن مساحة الوحدة، أو غرفة المحكوم عليه، ستختلف بحسب المراحل:

– في المرحلة الأولى (العزل): وحدة لشخص واحد مساحتها 10 م² وهكذا سيوفر المشروع لهذا القسم 100 غرفة = 1000 م² متوفر في جميع الخدمات.

– في المرحلة الثانية (إعادة التأهيل): وحدة لشخصين، مساحتها 15 م² وبالتالي سيوفّر المشروع للقسم الثاني: 50غرفة = 750 م² وللقسم الثالث 50 غرفة = 750 م².

الجديد الّذي قدّمه هذا المشروع المعماري في عالمنا العربي، يكمن في سعيه إلى تقديم نموذج لمراكز تأهيل للمساجين

وإختار الحاج موقع السجن في منطقة كورنيش النهر، الواقعة على أطراف مدينة بيروت “لتأمين إندماج السجناء بمحيطهم الخارجي”.

أمّا الجهاز الإداري للمركز مؤلّف ودائمًا بحسب الحاج من «فنيين متخصصين، أطباء نفسيين، مرشدين إجتماعيين، أساتذة والتقنيين. إضافةً إلى عناصر من قوى الأمن المدربين على عملية التأهيل، بحيث لم يعد دورهم محصوراً بمنع السجناء من الهرب وحفظ النظام بل المشاركة في مهام التهذيب والتأهيل الإجتماعي كون الحرّاس على إحتكاك دائم بالمساجين.

بؤر للإجرام والفساد فاحت رائحتها في الآونة الأخيرة، ما استدعى البحث في ضرورة حتميّة لمعالجة هذه الفضيحة

ومن حيث تصميم المشروع فالخصائص المعمارية شملت أيضًا الإهتمام بالناحية الأمنية: «مراقبة الوحدات المخصصة للمساجين من نقطة واحدة من خلال غرفة للمراقبة والسيطرة عبر برج المراقبة الخارجي. كما أن المساحات الخارجية التي تفصل بين المساجين والمحيط الخارجي تكون إمّا بإقامة سور أو مساحات خضراء أو الزجاج المقوّى غير القابل للكسر».

وقد اعتمد الحاج في مشروعه على نموذج السجن الإصلاحي الّذي ينتشر في معظم دول العالم المتقدمة، بدلاً من السجون العقابية التي ترتبط بمشكلات العقاب الجسدي والمعنوي والملل وعدم القدرة على ممارسة أيّة أنشطة منتجة والتهميش. هذا كلّه ما من شأنه إلّا أن يخرّج مجرمين أكثر إجرامًا ممّا كانوا عليه قبيل فترة الحكم.

السابق
حزب الله أكدّ خبر «جنوبية» اعتقال عميل من بيئته… وشتم الموقع
التالي
فاكهة المانغا.. مثيرة الشهوة الجنسية