المقاومة والإرهاب

هاني فحص

إن القرآن لا يتورّط في حبس مفهوم رجراج أو مفتوح على التشكّل الدائم أو ساكن في تعريف ثابتٍ أو مغلق. وبما أن واقع الإرهاب تتدخل في تحديده أمور كثيرة، كالزمان والتاريخ والمكان والأطراف والأسباب والقضايا، وهذه متغيِّرة بناء على أن كل الحقائق نسبية، لذا فلا يوجد تعريف للإرهاب لا في القرآن، ولا في النص الإسلامي عموماً، ولا في النص الديني على ما أظنّ. لكن هذا لا ينفي وجود كلام عليه، له طابع الردع المعنوي: “وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوَّ الله وعدوّكم”.
الآية لا توحي باستعمال السلاح بل بامتلاك القوة واستخدامها كرادع معنوي. أما في ما يتعلق بالجهاد الهجومي، أي جهاد الفتح أو الابتدائي، فلا وجود له، خصوصاً عند الشيعة، لأنه مشروط بوجود الإمام المعصوم. ولكنه غائب ولا ينوب أحد مكانه.
يقولون إنه دفاع لا يحتاج إلى إذن أحد، أي الدفاع الآخر. الجهاد الديني دفاعيُّ لا يحتاج إلى دفاع أحد، وهو فرض عين على كل الناس، كما هو في كل الحضارات. فالقرآن الكريم يعتبر أنه لولا وجود المقاومة لكان قسم من البشر ألغى الآخر وهكذا دواليك. ولذا فإن التوازن بين الجماعات المختلفة هو المدخل الحقيقي إلى السلام ومنع المصادرة والإلغاء. وقد جاء في إحدى الآيات: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”. وفي آية أخرى: “لهدِّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله”.
وعليه، فإن التوازن في منطق القوة هو بوابة السلام. وثمة مستويات للمقاومة. فهي مركبة تماماً كما أن القضايا بذاتها مركّبة. فالمقاومة في معناها المدني هي الأولى والأولى، وفي معناها التنموي أيضاً والحضاري. والقرآن الكريم يخرج بها من معنى المعاندة، أي عدم تسهيل تحقيق اهداف العدو ومنعه من الإخلال بنظام القيم والعلائق والأفكار لدى الطرف المعتدى عليه.
فإذا استوعب المعتدي هذه المسألة، يكون الردع بمعناه الوجودي والحضاري قد تحقق. أما إذا بالغ في عدوانه وحاول أن يتعدى المصادرة إلى الإلغاء الوجودي، فإن المقاومة ترتقي إلى مستواها العسكري المشروط بشروطه الإنسانية. ففي الإسلام لا يجوز مثلاً قتل الأسير والمرأة والأطفال وكبار السن وذوي العاهات وقطع الأشجار وتخريب مجاري المياه أو إفسادها، كما يحصل الآن في سوريا.

سوريا
ولكن، وعلى رغم إدانة الجميع لتفجيرات الحادي عشر من أيلول مثلاً، باعتبارها إرهابية فإن الالتباس بين مفهومي المقاومة والإرهاب ما زال على أشدِّه في زمننا هذا. فالأميركيون لا يقبلون بمصطلح “المقاومة”، كما تستعمله الدولة اللبنانية وغيرها والشعوب العربية والمشرقية عموماً وبعض المجتمعات الغربية في أوروبا وأميركا، إذ إنهم يرفضون أي استعمال للعنف ضد المدنيين ويعتبرونه إرهاباً.
هنا يمكن أن نحفر مكاناً للقاء المفهومين مع حساب دقيق للاختلاف المنهجي بينهما.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
أورينت نت: إيران تقُصي الأسد وتفاوض «أحرار الشام»
التالي
بالفيديو: انتحار عاملة أجنبية في برج البراجنة