«الميّ مقطوعة يا أفندي»… في الضاحية …

شحّ المياه في جنوب لبنان
يعاني قاطنو الضاحية من أزمة حياتية صامتة تتمثل في انقطاع شبه دائم للمياه في أحياء محدودة ومعروفة أكثر من أحياء أخرى كحيّ الكفاءات مثلا، الناشئ حديثا، حيث ما إن يقطن المستأجر حتى يترك بعد مدة وجيزة وهو غير آسفٍ بسبباضطراره لشراء المياه بشكل دائم.

الضواحي في مدن العالم كما نعرف هي صورة عن القرية، لكن بشكل مديني كل ما يرغب فيه المواطن مؤمن وموجود، لكن بعيداً عن المباني وناطحات السحاب والتلوث وعجقة السير والنفايات.. بل تتصف الضواحي عادة بأنها الأكثر هدوءا والأقل عجقة و الأندر كثافة.

اما في لبنان، ودول العالم الأخير، نجد ان الضواحي ليست إلا مرتعا للفقر والإهمال الرسمي، وغياب التأمينات الحياتية الأساسية، وأولها الكهرباء والمياه.. ان لم نأت على ذكر الإنترنت الذي يعاني البطء الشديد والتكلفة الأعلى مقارنة مع دول أفقر منه بكثير.

ان تكون مقيماً على خط الكفاءات في منزل رائع ومطل وحديث البناء أمر لا يحسدك عليه أحد. لماذا؟ لأن متعة إمتلاك بيت جميل بسعر متدن نسبياً تتلاشى مع أزمة إنقطاع المياه الدائم وإشتراكك مع كميون الميّ ويدعى “الأسمر” مثلاً، وهو بالمناسبة سوريّ الجنسية, اذ يكتب رقم هاتفه على خزانات المبنى كلّه قبل ان تستلم الشقة. لأنه يعلم إنك ستحتاجه منذ اللحظة الأولى.

“خمسة براميل بـ10 آلاف ليرة”! لماذا؟ تسأله. فيقول “اذا مش عاجبك شوفي غيري”. هكذا بكل بساطة ودون أي خوف. بل إنه لا يهتم لسؤالك عن مصدر المياه، أهي مياه نظيفة، وصالحة للاستعمال؟.

يحضر بائع المياه السوري بسرعة، فالعمل اليوم لا زال مع بداية الموسم، وتشكر الله على سرعته لأن المنزل مقطوع من الميّ والدنيا شوب”. مما يدفعك للسكوت عن المطالبة بتخفيض السعر. لكن الجيران يحذرونك من انه مع انطلاقة موسم انقطاع المياه الدائم لن يأتي “الاسمر” الا بعد ساعات. انها أزمة جديدة تكلفك إتصالات أيضا وأيضا.

متعة إمتلاك بيت جميل بسعر متدن نسبيا تتلاشى مع أزمة إنقطاع المياه الدائم

للمياه قصة لا تنتهي في الضاحية، فهي تقوم على شبكات مهترئة وطريقة توزيع بدائية، وتتسبب بمشاكل بين الجيران، إضافة الى ارتفاع كلفة العيار الواحد الذي يبلغ 310 ليرة سنويا، على حصة لا تصل الى المنزل الا نادرا، حيث نرى في الشتاء تدفق المياه في الطرقات بفعل إهتراء الإمدادات، وسرقة البعض لمياه البعض الآخر من خلال تركيب “شفاطات” داخل العيار، اضافة الى طرق أخرى غير شرعيّة منها فك العيار وإلغائه من أساسه، كما هو حال عداد الكهرباء.

الى الان لم تنفضح “شركة مياه لبنان”، كما حصل مع فضيحة شركة سوكلين وشركة كهرباء لبنان، الا ان الوقت قد يحين قريبا لأن هذا العام كان وافرا بالأمطار ولم تعمد السلطات المعنيّة الى الإستفادة منها، ما يعني ان الإستمرار بالمعاناة من انقطاع المياه الدائم سيطرق أبواب الإعلام التي يطل بكثافة على مشاكل المواطنين هذه الأيام.

رغم شكوى الوزراء من دور الإعلام المهم تحت عناوين شتى. وآخرها كان تحميل وزير الصناعة الحالي الدكتور حسين الحاج حسن للإعلام – بُعيد جلسة اللجنة الوزارية يوم الخميس- المسؤولية عن التظاهرات التي تحدث في الشارع رفضا لطمر النفايات في المناطق.

خمسة براميل بـ10 آلاف ليرة”! و”اذا مش عاجبك شوفي غيري

معاناة سكان الضاحية من إنقطاع المياه هو أولا الإبقاء على الشبكات القديمة الصدئة والطريقة القديمة في توزيع المياه والتعديات وزيادة نسبة السكان والإهمال الرسمي لكل ما له علاقة بالمواطن وصحته.
ويبقى السؤال: اذا كان ثمة شُح في المياه أدى الى الإنقطاع الدائم للمياه فمن أين يحصل أصحاب الكميونات على المياه؟ ومن يجمعها؟ ومن أيّ آبار؟ ومن يراقبهم؟ ومن المسؤول عن هذا الجانب الحيوي؟
كلها اسئلة برسم الإدارات الغائبة عن التصديّ لهموم الناس العادية، وتتكل على التجييش السياسي والإعلامي وتصويب الأنظار نحو قضايا لا يفيد فيها المواطن بشيء وخير دليل على ما أقول هو أن غياب رئيس الجمهورية لأكثر من عام لم يعنِ للمواطن أكثر من كونه خبرا يمرّ يوميّا مرور الكرام..

في حين أن قضية كقضيّة المطامر وسوكلين والنفايات أقامت الدنيا ولم تُقعدها.

فهل ستُثمر تحركات المواطنين المتضررين؟ ام أن الملف سيطوى على زغل كالعادة؟ وبالعودة الى الضاحية تجد ان المشتري والمستأجر يسأل عن الأمن في الحيّ والبئر الإتوازي، فالإثنان يساويان الحياة والموت معاً. وللحديث عن سيطرة العشائر في الأحياء الداخلية أمر آخر.

السابق
خطة التسليح من الهبة السعودية تسير وفق المرسوم لها
التالي
حزب الله يعطّل احتفالا دينيّا مسيحيّا في قرية «مليخ»…