من هو المخرج الإيراني المعارض مخملباف الذي هاجمه نصرالله؟

محسن مخلباف
من ثائر معارض لنظام الشاه وصديق لعائلة السيّد علي خامنئي الى منفي سياسي في أوروبا، بعد انتصار الثورة الاسلامية واستبداد رجال الدين بالحكم. هو محسن مخلباف مخرج فيلم "خفايا حياة خامنئي" الذي عرض فيه لنفوذ وثروة المرشد وأبنائه، فما هي الأسباب التي أدّت لهذه التحوّلات المثيرة في حياة هذا الفنان والمخرج السينمائي الايراني المعارض؟

ولد الكاتب والمنتج والمخرج السينمائي الإيراني المشاغب محسن مخملباف في أيار من العام 1957 في أحد أحياء جنوب طهران المعروفة بفقرها. دفعته الفاقة والحاجة إلى العمل في سن مبكرة جدا. كان ما يزال طفلا في الثامنة من عمره حين خرج إلى ميادين العمل الليلي لإعالة أسرته، وتأمين متطلباته الحياتية والمدرسية، يعمل ليلاً ويذهب إلى المدرسة نهارا.

 

في سن الخامسة عشرة التحق بمجموعة شبابية سرية معارضة لسياسات الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، شارك في العديد من المظاهرات الشعبية والطالبية، وأصيب بطلق ناري في إحداها. وعلى أثر نشاطه السياسي والثوري وقع في أيدي جهاز “السافاك” السيئ الصيت، وألقي به في السجن، الذي أمضى فيه أكثر أربع سنوات. سبب له التعذيب الذي تعرض له في السجن إعاقة دائمة في قدمه، وخرج منه بعد انتصار الثورة الإسلامية وعودة الإمام الخميني إلى طهران في 11 شباط 1979 إلى المستشفى الذي رقد فيه حوالي مئة يوم خاضعا لأربع عمليات جراحية ترميمة.

إقرأ أيضاً: في ايران…الحب والزواج لا طريق واحد لهما

بدأت علاقة مخملباف برموز الثورة الإسلامية في سنين مراهقته الأولى، فتعرف إلى ناشطين ثوريين مثل بهزاد نبوي، أحد مؤسسي “الجبهة الديمقراطية الوطنية” السرية المسلحة،  و”منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية”، ومحسن رضائي القائد السابق لتنظيم الحرس الثوري، ومحسن آرمين وفيض الله عرب سرخي وصادق نوروزي ومصطفى تاج زاده وغيرهم، إضافة إلى السيد هادي خامنئي شقيق مرشد الثورة السيد علي خامنئي، الذي تشارك وإياه الزنزانة نفسها أيام الاعتقال، ويتشارك وإياه حاليا الالتزام بخط المعارضة والإصلاح من خلال “الحركة الخضراء”.

 

بعد انتصار الثورة، استأنف مخملباف نشاطه السياسي فانضم إلى “منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية” التي تشكلت من تلاحم سبعة أجنحة ثورية راديكالية، بهدف مواجهة “منظمة مجاهدي خلق” ومعارضة سياسة أول رؤساء الجمهورية الإسلامية بعد الثورة أبو الحسن بني صدر والجناح الليبرالي في الدولة.

 

تأثر مخملباف في تلك الفترة إلى أبعد الحدود بموجة الإسلام السياسي، التي ضربت المنطقة والمجتمع الإيراني بالأخص، متعاميا عن كل أعمال العنف الثقافي والنفسي والجسدي التي تمارس بإسم الدين والثورة، بحجة حماية الانجازات. فلم تخرج أعماله السينمائية وقتذاك من دائرة التصفيق للثورة والنظام الإسلامي رغم كل التجاوزات، غير معني بطرح الإشكاليات التي تفرّد بها فيما بعد، فأخرج فيلمه الأول “توبة نصوح” بطابع ديني تبليغي.

محسن مخملباف هو كاتب بالدرجة الأولى، ثم سينمائي، يذكر في يومياته أنه كان أحد تلاميذ السيد علي خامنئي، وأحد المقربين منه، وصديق شقيقه هادي. في سنوات الاعتقال الطويلة، كان يقبع في زنزانة ملاصقة لزنزانة المرشد، ينتظر بشوق سماع صوته وهو يتلو آيات من القرآن أو يقرأ دعاء.

كان مخملباف مؤمنا بإنسانية الثورة الإيرانية وعدالتها، يحلم كما أفراد الشعب الإيراني، رغم الآلام والمعاناة، باليوم الذي تنتصر فيه على ديكتاتور القهر والقمع، وفعلا، نال ما تمناه. لكنه اكتشف لاحقا أن المشكلة ليست بالحكام فقط، بل بالثقافة أيضا، فلا يكفي إسقاط النظام وتغيير الحاكم ما دام الثوار سيرثون بدورهم ثقافة العنف.

هل انقلب مخملباف على الثورة أم الثورة هي التي انقلبت عليه؟ وكيف تحول من مؤيد إلى معارض شرس ثم إلى منفي؟

 

لا شك أن مصادرة رجال الدين للثورة الإيرانية، التي شاركت فيها كل مكونات المجتمع الإيراني السياسية والعرقية والمذهبية، لم تحصل دفعة واحدة، بل تدريجيا.

 

فبعد ستة أشهر من الثورة أفصح الإسلاميون عن نظام ولاية الفقيه، تبعه تأسيس الحرس الثوري، الذي اضطلع بمهمة التطويع الثقافي بداية، قبل أن يتحول إلى تنظيم عسكري، بدأ هذا التنظيم بفرض الحجاب في الجامعات وأسلمة بعض المقررات التعليمية في ما يشبه “الثورة الثقافية” التي عرفتها الصين أيام ماو تسي تونغ، ثم زحفت الأسلمة إلى كل مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية فخضعت الصحف والمطبوعات والمنشورات على أنواعها للرقابة الأمنية، ومنع تداول عدد من الكتب والروايات مثل: مدام بوفاري، ألف ليلة وليلة، غاتسبي العظيم، آيات شيطانية وغيرها، وامتدت المحظورات إلى الشعر والأدب والموسيقى والرسم والنحت والتمثيل، والراديو والتلفزيون والسينما.

 

كانت السينما الإيرانية أول ضحايا “الفورة” الثقافية الإسلامية، حيث فرضت السلطات رقابة شديدة على كل الأعمال السينمائية، فنحت أعمال المخرجين نحو الرمزية، واشتغل المبدعون منهم مثل: جعفر بناهي وكياروستامي ومحسن مخملباف وكمال تبريزي في أفلام الطفولة المعذبة والعلاقات العائلية وظلم المرأة، لكنها أفلام ظلت تحمل رسائل مبطنة غير مباشرة رغم بساطتها، في الوقت ذاته شجعت السلطات إنتاج أفلام ثورية حماسية في ما يعرف بأفلام “الدفاع المقدس”.

 محسن مخلباف

ظل وضع السينما الإيرانية على حاله، حتى وصول محمد خاتمي إلى السلطة، فشهدت السينما الإيرانية بعض الارتياح، لكنه ارتياح مقيد، وظهر حينها فيلم “السحلية” الذي كتب نصه مخملباف وأخرجه كمال تبريزي، والذي يصور كيف يستغبي رجال الدين عامة الناس. ثم عادت السينما إلى المربع الأول مع فوز محمود أحمدي نجاد بالرئاسة.

 

في هذا العام أي في أواخر 2004  قرر مخملباف وضع حد لمعاناته السينمائية مع النظام، ففر مع عائلته إلى أفغانستان وأقام في كابول، في منزل من طبقتين حوله إلى دار لإنتاج الأفلام وإخراجها، بمساعدة أفراد عائلته الذين يعملون جميعا في السينما، زوجته مرضية وابنتاه سميرا وحانا ( مخرجة فيلم الأيام الخضراء الذي منع عرضه في لبنان) ونجله ميسم. في كابول صنع مخملباف فيلمه العالمي “قندهار” الذي اختارته مجلة “تايم” واحدا من أفضل مئة فيلم غيرت وجه العالم.

 

له أكثر من ثلاثين فيلما ما بين الدراما والتاريخ والتوثيق، كل منها حائز على جائزة محلية أو عالمية بلا استثناء، ومنها ما حصد أكثر من جائزة في مهرجانات دولية مختلفة، وهناك أفلام غير التي أخرجها، كتب نصوصها وأخرى ظهر فيها كممثل، أهم أفلامه: خبز ومزهرية، الصمت، ناصر الدين شاه، البستاني، صرخة النمل، يوم أصبحت امرأة، سلام سينما، أجراس، ليل زاينده رود، سائق الدراجة، حديقة البلور، شاعر النفايات، أبرد من النار، كلوز آب، سوق الاثنين، اللوح الأسود، عينان بلا اتجاه، جراحة الروح، وآخرها فيلم الرئيس (2014) الذي تناول فيه موضوع الربيع العربي وديكتاتورية الأنظمة. يعمل مخملباف حاليا رئيس أكاديمية السينما الآسيوية، وهو عضو تحكيم متنقل في مهرجانات السينما العالمية، حاولت السلطات الإيرانية اغتياله مرتين في باريس، ويقيم حاليا في لندن.

 إقرأ أيضاً: المعجزة الوحيدة: إيران وحّدت مليار سنيّ… ضدّها

يسعى مخملباف في أفلامه الجديدة إلى نشر فكرتي التسامح والسلام بين الشعوب، وبعد أكثر من عشر سنوات في المنفى يقول: “وطني هو هذا الكوكب”، رغم أنه ما يزال يحلم بالعودة إلى بلده، لأنه “سيأتي يوم نتخلص فيه من هذا النظام وسيبقى لدينا متسع من الوقت لنبني فيه سينما إيرانية” .

السابق
اعتصام امام السراي الحكومي احتجاجا على استمرار توقيف الملاح ورفاقه
التالي
اطلاق نار كثيف في الخندق الغميق تزامناً مع وداع الشهيد كحيل