ردّاً على سؤال لئيم لأهل الإقليم: الموت البطيء أو الهجرة السريعة؟

الجية
المعتصمون في إقليم الخروب كلامهم واحد أمام الشّاشات وخلفها: مشكلتنا ليست مع اهالي بيروت بل مع الحكومة التي مدّدت لمطمر الناعمة على مدى سنتين ولم تعمل على إيجاد بديل صحيّ وتقاعست عن إنشاء معامل لفرز النفايات وإعادة تدويرها.

أهالي إقليم الخروب لشدة كرههم بيروت وأهلها رفضوا إقامة مطامر النفايات في منطقتهم كي يتشفّوا بغرق بيروت في النفايات.

نعم أهالي الإقليم اعترضوا وتحركوا بناء على توجيهات من وليد جنبلاط، كما أنّهم قطعوا أوتوستراد بيروت الجنوب والطريق البحرية كي يمنعوا أهالي الجنوب من العبور إلى قراهم. وتحوّلوا إلى قطّاع طرق يتصرفون بطريقة داعشية. لا وبل ذهب البعض في تحليلاته العميقة، ليقول إنّ ما حصل نهار الأحد والإثنين من قطع طرق كان بأمر من السعودية ردّا على الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، واختباراً للأرضية تحضيرا لمحاصرة المقاومة.

كل هذه الاتهامات وأكثر سيقت بحق أهالي إقليم الخروب، بعد تحركهم الرافض إنشاء مطامر جديدة للنفايات حفاظا على صحتهم وصحة أبنائهم.

صحيح أنّ تحرّك أهالي الإقليم سبّب صدمة كبيرة لدى السياسيين والشعب اللبناني على السواء. نعم صدمة كبيرة، فهي المرّة الأولى في تاريخ لبنان تنتفض منطقة بكلّ مكوناتها الدينية والسياسية والشعبية، بوجه قرار حكومي غاشم لم يراع المعايير الصحية للمنطقة وتحشد هذا العدد الشعبي نصرة لقضية مطلبية وليست سياسية يدعو إليها زعيم معين.

توحّد جمهورا 8 و 14 آذار من أجل مصلحتهم وليس لمصلحة السياسيين.

إن أبناء إقليم الخروب نزعوا عنهم انتماءاتهم الحزبية من أجل صحّتهم وبيئة أفضل لأبنائهم. فتوحّد جمهورا 8 و 14 آذار من أجل مصلحتهم وليس لمصلحة السياسيين. فجمهور المستقبل والشيوعي كان صوتهم واحداً، كذلك الاشتراكيون والقواتيون كانوا يداً واحدة، وكذلك حزب الله والجماعة الاسلامية كانوا كلمة واحدة. جميعهم لسان حالهم يشدّد على رفض إنشاء المطامر. فما لدينا من امراض يكفينا. ألا يكفي تحملنا لمطمر الناعمة 18 عاماً، ومعمل ترابة سبلين الذي ينفث دخانه السام منذ ٣٣ عامًا، مع مقالعه وكساراته. ناهيك عن الغازات التي يلفظها معمل الجية لتوليد الكهرباء والباخرة المستقدمة من تركيا وغيرها من الكسارات التي تفتك بجبالنا دون حسيب أو رقيب. ألا يكفينا سموم؟ إذ لا يوجد منزل في الاقليم إلاّ وفيه مريض سرطان، أو ربو وحساسية.

المعتصمون كلامهم واحد أمام الشاشات وخلفها، مشكلتنا ليست مع اهالي بيروت ومشكلتهم ليست معنا. التاريخ يشهد على ترابط العلاقة بين أهل بيروت والاقليم من الحرب الأهلية الى مواجهة العدو الإسرائيلي في بيروت وغيرها من الأحداث. إنّ المشكلة هي في الحكومة التي مددت لمطر الناعمة على مدى سنتين ولم تعمل على ايجاد بديل صحي وتقاعست عن انشاء معامل فرز وإعادة تدوير للنفايات، وها هي اليوم تتباكى على الأطلال وتقف عاجزة متنصلة من مسؤوليتها رامية بها ككرة النار تتقاذفها المناطق.

أما في ما يخص قطع الاوتوستراد، فيعترف أهالي الإقليم أنهم ظلموا الناس على الطرق لساعات ويعتذرون منهم. لكن لم يكن أمامهم خيار آخر يدفعهم لحماية أنفسهم ومنطقتهم من تمرير هذا المشروع. وما قيل وزعم عن أنّ قطع الطريق هو لمحاصرة اهل الجنوب والمقاومة لا أساس له من الصحة. فأرض الواقع تشهد كيف كان المعتصمون يرشدون الناس الذين علقوا في سياراتهم إلى طرق فرعية يصلون من خلالها إلى بيروت أو العكس إلى صيدا. وكيف راحوا يقدّمون لهم المياه ويحسنون ضيافتهم. وللعلم فإن جمهور حزب الله وحركة امل كانوا يقطعون الطريق البحرية في الجية لمنع وصول شاحنات النفايات إليها. فهل حزب الله يقطع الطريق على جمهور المقاومة.

إن ما قيل وزعم عن ان قطع الطريق هو لمحاصرة أهل الجنوب والمقاومة لا أساس له من الصحّة

أما عن دور وليد جنبلاط فيجب التوضيح إنّ رؤساء بلديات برجا بعاصير والجية لا مونة للبيك على أيّ منهم. فرئيس لدية برجا المؤثر الرئيسي في الاعتصامات هو في تيار المستقبل. ويجب الاشارة إلى فشل وكيل داخلية الحزب التقدمي الاشتراكي سليم السيد في اقناع الاهالي بفضّ الاعتصام عند نقطة معمل سبيلن مقابل ضمانات صحية ومالية. وتمّ طرده من موقع الاعتصام ويسجل لوليد جنبلاط، أنّه لم يتوان عن محاولاته لإيقاف الحراك والضعط للتسليم بالقرار لكن محاولاته باءت بالفشل حتى أن خلافات وقعت بين محازبيه في الإقليم.

وفيما يخصّ السؤال اللئيم: “لماذا لم نرى تحركم عند معمل ترابة سبلين؟“، فإنّ الجواب واضح عند أهل الاقليم: “لقد تحرّكنا منذ ثلاث سنوات ونفّذنا اعتصاماً عند المعمل والبلديات تتابع الموضوع، وقد وعدت إدارة المعمل الأهالي بتركيب فلاتر مطابقة للشروط البيئية في شهر تشرين الأول المقبل. وإذا لم يتمّ الوفاء بالوعود سنتحرك حينها ولن نفكّ  الاعتصامات حتى تركيب الفلاتر. وهذا الأمر سيتكرّر مع معمل توليد الطّاقة في الجيّة. إذ إنّ البلديات سترفع دعوى قضائية بحقّه وسنعمل على إيقاف ضرره قريباً”.

لكن حتى لو لم نستطع إيقاف ضرر هذه المعامل، فلا يصير مبرّراً إنشاء مطامر جديدة. بدلاً من معالجة الملوّثات البيئية المزمنة في الاقليم هل نعمل ونسمح باستفحالها وانتشارها. أهكذا تعالج الأمور؟ بأي عرف في العالم؟ وما هذا المنطق الذي يراد لنا أن نقبله. والذي قاله الوزير نهاد المشنوق في أنّ “من تحمّل الكسارات عليه ان يتحمل المطمامر” هل هو منطقيّ؟ وهل لنا قدرة بعد هذا الذي قيل عن ملوّثات أن نتحمل؟ وهل سيبقى من أحد قادر على التحمّل؟ أم يراد لهذة المنطقة الاختيار بين حلّين أحلاهما مرّ: إما الموت البطيء أو الهجرة السريعة؟

أهالي اقليم الخروب لديهم إجابات واضحة ومقنعة لكل سؤال. إجاباتهم تؤكّد أن تحركاتهم مطلبية صحيّة لا أكثر ولا أقلّ. وكل من يزعم انها سياسيّة ومسيسّة، فهو يشوّه الحقيقة لغاية في نفس يعقوب وبحثاً عن فتنة شيعية سنية جديدة، لتبرير أخطاء الحكومة او التسويق لصفقة او ربّما لأنّه لم يعد يصدّق انه يوجد شعبٌ حيٌّ في لبنان قادرٌ على أن ينتفض بوجه حيتان المال وطواغيت السياسة، فلا يغامر بمصلحته وبصحّة أبنائه ويعرّضها للخطر من أجل إنتمائاته الحزبية والدينية.

السابق
جريج: خيارات سلام مفتوحة اذا اصطدمت بحائط مسدود سيلجأ اليها
التالي
بالصورة: ميشال سليمان سيسجن سالم زهران بحكم قضائي.. ما رأي حزب الله؟