على طريق القدس: هكذا قتله من استقبلهما في الزبداني بتموز 2006

سوريا
في هذه السطور رجل من الزبداني يروي كيف احتضن وعائلته نازحين من البقاع أثناء حرب تموز 2006، وكيف قتل اليوم ابنه على أيدي من احتضنهم لتردد والدته: "لا أدري من اقنعهم أن الاهالي والاحباب الذين احتضنوهم منذ أعوام تحولوا الى إرهابيين؟ لا أدري من أقنعهم أن طريق فلسطين يمر فوق جثث محمد وأصحابه؟"

لا تكاد تصدق، ابيضت عيناها من الحزن… مات زوجها قبل سنة ونصف السنة ببرميل قذف من طائرة كان يفترض أن تذود عن أبناء سوريا لا أن تقتلهم. واليوم يموت إبنها محمد على يد أحد “رجال الله. تصرخ الأم: “إحترق قلبي عليك يا أمي”. تضرب كفيها بعضهما ببعض، تلطم وجهها، تولول، وتسأل: “لماذا؟ ما الذي يحدث في هذا العالم؟ أين الدين والانسانية؟ أين الاخلاق التي تربى عليها أبناء القرى في البقاع؟ أين الخبز والملح؟ أهكذا يرد الجميل؟”.

 

هل يعقل أن يتحول “حسونة” الذي كان عمره 12 ربيعًا، عام 2006، و “علوشة” إبن العشر سنوات حينها، إلى قتلة يقطعون اليد التي امتدت إليهم؟ ويكسرون الباب الذي آواهم؟ ويحرقون البساتين التي كانوا يلعبون فيب
ها ويأكلون من ثمارها؟ ويدمّرون الشوارع التي كانت تخرج لنصرتهم العام 2006؟ ويهدمون البيوت التي كانت ترفع صور قائدهم وإعلامهم؟

http://www.youtube.com/watch?v=2s2Geq5LZnQ
“هل يعقل أن تكون تلك العيون البريئة تخفي كل هذا الكم من الحقد؟”، تصرخ الأم وتبكي والأسى يعصر قلبها: “.حزني الكبير ليس على ولدي فقط، بل لأن قتله تم على يد من أحبهم. كيف طاوعتهم أنفسهم أن يضغطوا بأصبعهم على الزناد حين كان محمد إبني في مرمى بندقيتهم. ألم يتذكر “علوشة” للحظات، قبل أن يضغط، ذلك تلك الذكريات الجميلة حين كان محمد يجلب ألعابه له ويمنع الجميع من إمساكها بعد أن كان يتمنى – من منطلق حسه الطفولي – أن تطول حرب تموز ليبقى علي وحسين معه ولا يغادران إلى لبنان؟ كان لا يأكل إلا إذا حضر اخوته الجدد، كان يرفض أن يغفو دون أن تكون تعانقهما يداه”.

 

السيد حسن نصر الله

وحين كان يطل السيد حسن نصرالله الذي كانت صورته تزيّن صالون المنزل، كان يهرول الجميع الى التلفاز يجلسون حوله ويصمت الجميع، تتأهب المشاعر والاحاسيس على وقع كلامه، نهتف بالتكبير بشكل لا شعوري مع كل حديث عن انتصار أو ضربة مؤلمة توجه للعدو الاسرائيلي. أذكر حين تكلم عن البارجة، كيف خرج أهالي الزبداني بصورة عفوية إلى الشوارع، يرفعون صوره ويهتفون باسمه. كان محمد ومعه علي وحسين يلبسون الثياب العسكرية والعصبات الصفراء ويهتفون: “لبيك يا نصرالله”. نظرت حينها إلى أم حسين وقلت لها: “اسأل الله ان يطيل اعمارنا، ونرى أولادنا معا يحررون القدس”، إبتسمت أم حسين وقالت: “ان شاء الله”.

 

حين انتهت الحرب، أتى الوالد الذي كان يخوض المعارك مع حزب الله في لبنان إلى الزبداني. خرجنا ونثرنا الأرز والورود على رأسه، وصرنا نهتف لحزب الله. أدخلناه إلى بيتنا كعريس يزف الى عروسته، جلسنا حوله واحتضناه بكلتا يديهما علي وحسين. أمّا محمد فقد جلس بينهما في حضنه، فبدأ يحدثنا عن البطولات والانتصارات، ويروي لنا قصص “رجال الله”…

هل يعقل أن تكون تلك العيون البريئة تخفي كل هذا الكم من الحقد؟

ساعات قصيرة مضت بسرعة، وحان وقت الوداع. لحظات لا تنسى، دخل محمد مسرعا الى غرفته، وجلب الرشاشات البلاستيكية التي كانو يلعبون بها، وأعطى لكل من علي وحسين واحدة منهما. وقفوا إلى جوار بعضهم البعض ورفعوا قبضاتهم وصاروا يهتفون: “لبيك يا نصرالله”. وطلب محمد من والدهما بأن يعدانه حين يكبران بأن يضمه مع ولديه إلى صفوف حزب الله ليقاتلوا اسرائيل. هزّ الوالد رأسه مبتسمًا، وقال: “والله إني لأرى من عيون هؤلاء أن تحرير القدس بات قريبا وقريبا جدا”.

سوريا

اليوم كبر الاولاد، صلب عودهم واشتدّ ساعدهم، تحولت بنادقهم البلاستيكية الصغيرة الى أسلحة فتاكة. أتوا إلى الزبداني، لكن لا ليصطحبوا محمد وأصحابه الى القدس، بل ليقتلونهم..

وحين كان يطل السيد حسن نصرالله الذي كانت صورته تزين صالون المنزل، يهرول الجميع الى التلفاز

تبكي الأم، وتقول: “لا أدري من اقنعهم أن الاهالي والاحباب الذين احتضنوهم منذ أعوام تحوّلوا الى إرهابيين؟ لا أدري من أقنعهم أن طريق فلسطين يمر فوق جثث محمد وأصحابه؟ لا أدري أي أفكار سوداء تسللت إلى عقل علي وأقنعته بأن الضغط على الزناد لقتل محمد سيغضب الإسرائيليين، لا أدري من قال لهم إن طريق القدس يمر من هنا؟”.

السابق
بين روكز ودرباس: تفاهة بعض المجتمع المدني
التالي
القاضي علي ابراهيم يعيد فتح ملف “سوكلين”