كيف أن الاتفاق النووي انتصار للثورة الخضراء؟

علي الامين
في مقاربة الاتفاق النووي الايراني ومدى تأثيره على السياسة الايرانية، يبرز موقفان، واحد يذهب الى انه لن يغير في سياسة ايران الداخلية والخارجية، ويدرجه في سياق انتصارات المشروع الايديولوجي الايراني، وموقف آخر ينطلق من حقائق هذا الاتفاق ليبني عليها رؤيته لنتائجه على السياسة الايرانية.

في مقابلة أجرتها محطة “العربية” من واشنطن، مع المخرج الايراني المعروف محسن مخلمباف، وصف الاتفاق النووي الذي وقعته ايران مع المجتمع الدولي أنه انتصار للثورة الخضراء التي قامت في ايران العام 2009. وبرّر وصفه رداً على سؤال، بأن “هذا الاتفاق أخرج ايران من العزلة الدولية وحقق لنا كإيرانيين السلام مع العالم”.
في مقاربة الاتفاق النووي الايراني ومدى تأثيره على السياسة الايرانية، يبرز موقفان، واحد يذهب الى انه لن يغير في سياسة ايران الداخلية والخارجية، ويدرجه في سياق انتصارات المشروع الايديولوجي الايراني، وموقف آخر ينطلق من حقائق هذا الاتفاق ليبني عليها رؤيته لنتائجه على السياسة الايرانية.
أظهر الاتفاق النووي ان ايران حسمت امر دخولها في النظام والانتظام الدوليين، باعتبارهما شبكة من الانظمة والقواعد التي تفرض على ايران نمطاً من الاداء والسلوك، تفرضها طبيعة هذا النظام المسيطر في العالم. وهذا ما كان ليتم لولا ادراك السلطة الايرانية أنها باتت عاجزة عن الاستمرار في ادارة الظهر لهذا النظام، ماليا واقتصاديا وسياسياً. الورقة التي كانت ايران تبتز المجتمع الدولي بها هي الورقة النووية. عنوان المواجهة طيلة عقد من الزمن على الأقل. اليوم انتزعت هذه الورقة من يد إيران، عبر ادراج المنشآت النووية بالكامل تحت رقابة دولية صارمة ليست موجودة في ايّ مكان آخر غير ايران.

المفاوضات النووية الايرانية

إقرأ أيضاً: هذه إيران الجديدة بعد “ليلة القدر النووية”

لا بل يمكن ملاحظة ان الخطوط الحمر التي وضعها المرشد السيد علي خامنئي امام المفاوض الايراني قبل اشهر، تمّ تخطيها. سواء منع تفتيش المنشآت العسكرية الايرانية اولاً، أم عدم رفع العقوبات المالية والاقتصادية عن ايران بالكامل مباشرة بعد توقيع الاتفاق ثانياً. وأخيرا منع وضع قيود على التسلح الايراني من الخارج. كل هذه الخطوط الحمر تمّ تجاوزها.
انطلاقا مما تقدم برز موقف للمرشد السيد علي خامنئي اظهر ان ايران مستمرة في سياسة دعم حلفائها في اليمن وسورية والعراق ولبنان وفلسطين. وبدا هذا الموقف تصريحا بأن ايران ستستثمر اتفاقها النووي بالمزيد من الهجوم الاستراتيجي في المنطقة. لكن الوقائع كانت تشير الى شيء يتجاوز الخطاب الى الميدان إذ بدا أن واشنطن هي التي تصعّد مستفيدة من تحييد الورقة النووية الايرانية،
والأدلة هي التالية:
اولاً: إعادة احياء او تنشيط ملف الارهاب المتصل بإيران من خلال حزب الله. إذ أصدرت واشنطن سلسلة عقوبات على بعض قيادييه طاولت رجال أعمال حرص الامين العام لحزب الله على تناول موضوعهم في خطابه السبت المنصرم. فأحال جانبا من هذه العقوبات الى الدولة اللبنانية باعتبارها “المعنية بحماية مواطنيها والدفاع عنهم”.
ثانياً: إنجاز الاتفاق مع تركيا في ملف الحرب الدولية على الارهاب، واعطاء الضوء الاخضر للجيش التركي بالتدخل في سورية وإقرار المنطقة العازلة في شمال سورية. في وقت يبدو النفوذ الايراني داخل سورية ينتقل من سيئ الى أسوأ، وتشكل معركة الزبداني مؤشرا الى تراجع القدرة الايرانية والسورية على الحسم السريع في مواقع يفترض ان الحسم فيها ممكن.
ثالثاً: تنشيط عملية إدخال السلاح الاميركي الى العراق وتثبيت واشنطن مواقعها في السلطة العراقية. وفي هذا رسالة اقليمية تجاه ايران ومحيط العراق بأن قرار العراق لن يكون ايرانياً.
رابعاً: تحرير عدن وتقدم عسكري وسياسي ملموس لخصوم ايران، مع استمرار حصار اليمن بقرار دولي وعجز ايران عن توفير دعم لحلفائها، في ظل تسليم دولي لم يهتز بدور السعودية الاساسي في معالجة ازمة اليمن.

لكن ذلك لا يجعل المراقب يذهب بعيدا. اذ ليس في البراغماتية الاميركية ما يمكن ان يجعل ايران عدوا ايديولوجيا ممنوعا من تأدية دور اقليمي. الاميركيون لا يريدون اقصاء ايران. لكن ايران ملزمة، إذا كانت تريد تحقيق دور معترف به في المنطقة، ان تتقيد بقواعد اللعبة الاقليمية والدولية.
انطلاقا من الحقائق والوقائع على الارض، فإن الخطاب الايديولوجي الذي يعبر عنه المحافظون في ايران، والذين اعترض كثيرون من رموزهم على الاتفاق النووي، هم الذين خسروا… فيما هناك خطّ سياسي مخالف لهم حقق انتصارا. هو الخط الذي يخالف ايديولوجية العداء للغرب وأميركا، الذي قال عنه المخرج الإيراني إنه “لا يريد ان يعادي العالم بل يريد ان يسالمه”، بشروط النظام العالمي لا الايديولوجي الذي بشّر به المحافظون.

السابق
مقتل 11 اسلاميا و3 من قوات الدفاع الذاتي في مواجهات بنيجيريا
التالي
قطع طريق الجنوب سياسي ضد حزب الله أم مطلبي ضد النفايات؟