سلام يحذّر من عواقب الاحتقان.. ووزير الداخلية يتوقع حلاً «النفايات» تُلهب الشارع.. والخيارات ضيّقة

جلسة الحكومة اللبنانية

كتبت صحيفة “السفير” تقول : لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم التاسع والعشرين بعد الأربعمئة على التوالي.
استمرت كارثة النفايات بالتفاعل في بيروت وضواحيها ومعظم مناطق جبل لبنان، لتتخذ امس بُعداً مأساوياً جديداً مع قطع طريق بيروت – الجنوب الرئيسية والبحرية بالاتجاهين، من قبل أهالي اقليم الخروب احتجاجا على نقل كميات من نفايات العاصمة الى منطقة سبلين، الامر الذي أدى الى محاصرة آلاف المواطنين في سياراتهم لساعات طويلة، قبل أن تفتح الطريق البحرية القديمة قبيل الحادية عشرة ليلا، في ظل وعد تلقاه وزير الداخلية نهاد المشنوق من اتحاد بلديات الاقليم بفتح الأوتوستراد قبل أن تبزغ شمس صباح الاثنين.
ولعل أقسى ما في مشهد أمس ان الضحايا صاروا يعاقبون بعضهم البعض، وان المتضررين من النفايات أصبحوا في مواجهة بعضهم البعض، بدل ان يكونوا جميعا في مواجهة المسؤولين عن هذه الازمة، وبدل ان يقطعوا جميعا الطرق أمام الوزراء والنواب الذين يحترفون الفشل والعجز، والأخطر إدارة الملف بشيء من الحنكة ومن دون تجاوز الناس.
لقد أصيب عابرو الأوتوستراد الجنوبي البارحة بـ”نيران صديقة”، في وقت لا يجوز تضييع البوصلة مهما اشتد الضغط، وبالتالي لا يصح أن يجلد الناس أنفسهم، بينما الجهات النافذة في الطبقة السياسية تحاول إنضاج صفقة معالجة النفايات، على حسابهم، فوق الصفيح الساخن للأزمة التي بدأت تفوح منها روائح المنتفعين.. بالأسماء الكاملة، وعلى رأسهم “المقاول الأول” بلا منازع في هذه الجمهورية بكل مسمياتها الطائفية والسياسية.
إن غضب أهالي إقليم الخروب مشروع، خصوصا وسط انعدام الثقة في الدولة التي اعتادت على تحويل “المؤقت” الى “دائم”، من الطائفية الى المطمر، لكن وجهة سير هذا الغضب يجب ألا تكون نحو الطريق الساحلية، بل نحو أهداف أخرى، بات كل مواطن يعرفها بالفطرة والحدس.
ولعلها لحظة نادرة للشروع في انتفاضة عابرة للطوائف والمذاهب، باتت كل أسبابها وحوافزها متوافرة، إنما تنقصها القدرة على التحرر من سطوة الانتماءات والولاءات الفئوية.
حتى أن السفير البريطاني في بيروت طوم فلتشر، الذي يستعد لمغادرة لبنان نهائيا، استفزته أزمة النفايات، وقال في مقابلة مع “السفير” ان أزمة كهذه كانت لتطيح الحكومة البريطانية كما حصل فعليا في سبعينيات القرن الفائت حين قررت النقابات العمالية الإضراب لـ3 أيام، الأمر الذي أدى الى تراكم النفايات في شوارع لندن، ما ولّد سخطاً شعبياً عارماً وتظاهرات أسقطت الحكومة آنذاك.
ولاحظ فلتشر أنّ الشعب اللبناني “مستاء من الأخطاء الموجودة ولا يكفّ عن التذمّر والشكوى لكنّه لا يتحرّك لتبديل مجريات الأمور وهذا أمر محزن” .
حلول موضعية طارئة
وبينما ينشغل الجميع بالتفتيش عن حلول مؤقتة وسريعة لمحاصرة حريق النفايات، أكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ “السفير” ان محك الحل النهائي يكمن في مناقصة 7 آب، وما إذا كانت ستفضي الى التعاقد مع خمس شركات لمعالجة النفايات في بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب.
وإذا كان نقل نفايات العاصمة الى مطامر مناطقية يواجه باعتراضات في غياب الإغراءات من جهة وعامل الثقة من جهة أخرى، فإن نفايات الضاحية الجنوبية يتم نقلها مؤقتا الى مكان قريب من شاطئ “الكوستابرافا” في خلدة، لكن هذا الحل الموضعي لا يمكن ان يدوم لأكثر من أسبوعين، خصوصا ان النفايات المنقولة لا تتم معالجتها نهائيا، وهو ما يسري على نفايات العاصمة اذا تم إخراجها منها في المرحلة الأولى.
سلام: كارثة وطنية
وليلا، قال رئيس الحكومة تمام سلام لـ “السفير” اننا نقترب من تصور للحل المرحلي، يُفترض ان ينضج في الساعات المقبلة، مضيفا: “اننا أمام كارثة وطنية، هي أخطر مما يتصور البعض، وإذا أفلت الشارع المحتقن، فإن العواقب ستكون وخيمة جدا”.
ولفت سلام الانتباه الى ان جسمنا لم يعد يحتمل الازمات الحادة، كما في السابق، لان وضع المنطقة اختلف ولان واقع محيطنا تبدل، منبهاً الى مخاطر التعطيل الحكومي الذي يدفع الناس ثمنه بالدرجة الاولى.
وترأس سلام مساء أمس اجتماعا في السرايا الكبيرة حضره الوزراء نهاد المشنوق، محمد المشنوق، أكرم شهيب، وائل ابو فاعور والنائب علاء الدين ترو.
وقالت مصادر واكبت الاجتماع لـ “السفير” انه جرى التوصل الى اتفاق من نقطتين، الاولى، ضرورة الإسراع في فتح الطريق الساحلية بين بيروت وصيدا، والثانية، حصول تشاور واسع بين رؤساء بلديات إقليم الخروب للبت في إمكان الموافقة على طمر جزء من نفايات العاصمة (بين 200 و300 طن)، في سبلين لفترة محدودة.
وأوضحت المصادر ان هناك حاجة الى منح البلديات والاهالي ضمانات حقيقية بأن الطمر سيتم لفترة مؤقتة وفق المواصفات العلمية والصحية، وان الأضرار ستكون شبه معدومة، مشيرة إلى أن المهمة تبدو صعبة.
وزير الداخلية يتدخل
وللمرة الأولى منذ وقوع الأزمة قبل نحو أسبوع، تدخل وزير الداخلية بناء على طلب الرئيس سعد الحريري، فأجرى اتصالات ومشاورات تصب كلها في خانة البحث عن مخرج.
وعقد المشنوق اجتماعا أمس مع وفد من اتحاد بلديات اقليم الخروب في مكتبه في الوزارة، بحضور وزيري البيئة والزراعة والنائب ترو والأمين العام لـ “تيار المستقبل” أحمد الحريري، على ان يليه اجتماع موسع مع بلديات المنطقة عند السابعة مساء اليوم.
وأكد وفد البلديات انه نقل الى وزير الداخلية رفض الاهالي تمرير مشروع النفايات على حساب صحة أبناء المنطقة، مشددا على “عدم السماح تحت أي ظرف بأن يتحول الإقليم الى مقبرة للأحياء بفعل التلوث البيئي ونشر دخان وسموم المعامل والمطامر والنفايات”.
وعبّر الحاضرون خلال الاجتماع عن احتجاجهم على تجاهلهم كليا، فرد المشنوق بأنه كان يُفترض الوقوف على رأي الأهالي في الإقليم، لا سيما أن الوعي البيئي موجود وهذه نقطة إيجابية تسجل لهم.
واتفق المشنوق مع الوفد على إعادة فتح الطريق الساحلية، وحصل على تعهد واضح منهم بأنه لن تشرق شمس الاثنين إلا وتكون طريق الساحل باتت مفتوحة، مع تأكيده في الوقت ذاته أن أي شاحنة نفايات لن تمر من دون موافقة الأهالي والبلديات، “وهذه مسألة يجب أن تسري أيضا على المناطق الاخرى”.
وفيما شدد المشنوق على أهمية إعادة الثقة في الدولة، قال لـ “السفير” ان أزمة نفايات بيروت “باتت على طريق الحل المرحلي”.
وبعد الاجتماع، توجه الوفد الى موقع المعتصمين في الجية حيث تم وضعهم في صورة الاتصالات واللقاءات، فأقدموا على فتح الطريق البحرية القديمة لكنهم أصروا على الاستمرار في إقفال الطريق الرئيسية (الأوتوستراد)، خوفا من ان يستغل المعنيون والمستفيدون فتح الطريق لتهريب النفايات خلسة، تحت جنح الظلام، كما جرى في مرات سابقة

السابق
كرة النفايات تكبر وسلام «يفضّل» تصريف الأعمال الحسيني: الاستقالة لا تُعفي الوزراء من مسؤولياتهم
التالي
رئيس الحكومة : كلّ الاحتمالات مفتوحة ــ باسيل : لن نتراجع تحت أيّ تهويل