دولة الرئيس، اقلب الطاولة ولا تستقل

لتعترف الحكومة السلامية بأنها قصّرت في موضوع النفايات، وقصّر كثيراً وزير البيئة، ذلك أن المسؤولية لا تكون بالبكاء على الأطلال، وبالشكوى من تركه وحيداً، والتلويح بالاستقالة، والبحث عن حلّ الساعة الأخيرة. أزمة النفايات لم تكن مفاجأة، فالمدة المحددة لإقفال مطمر الناعمة معلومة لدى الجميع، وانتهاء عقد “سوكلين” من دون بديل في العاصمة معروف أيضاً، ولا يمكن التذرّع بعرقلة العمل الحكومي لترك البلاد تغرق في النفايات، فالعرقلة ليست جديدة أيضاً، إنما هي من أساسيات العمل الحكومي، وخصوصاً منذ اتفاق الطائف.

في المقابل، لا يمكن أحداً من السياسيين أو الحزبيين تعيير الحكومة بفشلها، لأن معظم الوزراء بلغوا حدّ الفشل في مواجهة ملفات حياتية، منها الكهرباء، والاستشفاء الحكومي، والتعليم الرسمي، وخدمات الضمان، والنقل العام، وتنظيم السير، ومكننة الخدمات، وتصدير المنتجات الزراعية، وغيرها من المجالات التي يتناسى الوزراء فشلهم فيها، فينتقلون إلى وزارات أخرى، كأنهم بذلك يطوون صفحة ويفتحون أخرى بيضاء، متناسين أن الحكم استمرار، والفشل أيضاً استمرار لنهج سيّئ لا يمكن أن يُنتج غير الخراب.
لكن هذا الكلام لا يبرّر الفشل الذي تمّ التعامل به مع موضوع النفايات، والفلتان الذي سببه سوء المعالجة، كأنما البلد تفلّت بين ليلة وضحاها، فانطلقت المواكب السيارة، واشتعلت الحرائق، وأُقفلت الطرق. وإذا كانت التحركات الرافضة دليل حيوية في المجتمع، فإنها أظهرت مزيداً من الاهتراء والتراخي، بل العجز، في مؤسسات الدولة.
في المقلب الثاني، كثُر الحديث عن استقالة رئيس الوزراء بسبب سياسة التعطيل التي يعتمدها “التيار الوطني الحر” يدعمه “حزب الله”. وتحدّث قريبون منه عن “التوقيت المناسب”. لكن هذا التوقيت لا يمكن أن يأتي فيما البلد غارق في الأزمات الحياتية، وإلا تبدّلت هويته من اعتراض على طريقة العمل، إلى تهرّب من المسؤولية، وهذا ما لا نتوقّعه من الرئيس تمّام سلام الذي شكّل ضماناً للاستقرار في هذه المرحلة، وصمّام أمان لاستمرار الشرعية في ظلّ الشغور في الموقع الدستوري الأول، وتعطّل القرار التشريعي.
لم يبقَ من الدولة حالياً سوى “حكومة المصلحة الوطنية” التي، وإن اختلف أعضاؤها في صدى لصراعات المنطقة، فإن مكوّناتها تدرك جيداً الحاجة الملحّة إليها، وتالياً فإنهم يضغطون على رئيسها للتنازل في ملفات من دون القدرة على بلوغ حدّ فرطها، وهذا يصبّ في مصلحة رئيسها الذي يمكنه أن يقلب الطاولة ويغيّر قوانين اللعبة من دون تردّد أو خوف. وإذا حصل ما لم يكن في الحسبان، فليتحمل الأطراف مسؤولياتهم… والفوضى القاتلة.

(النهار)

السابق
ماذا يفعل هذا الرجل؟
التالي
التحكم المروري : فتح طريق قصقص البربير