أسلمة قضية القدس مبرر الصهينة

أتمنى، إن قلتُ كلاماً متشائماً في أمر القدس ألا أزعج أحداً أو اجرح عواطف أحد. ولكن قد أكون مُصرّاً على إزعاج بعض الناس. حتى من بعض ذوي النيات الحسنة والأحلام المشروعة. لأنهم قالوا الكثير ولم يفعلوا شيئاً حقيقياً من أجل القدس، ومن أجل حفظها وحفظ أهلها فيها، وحفظ معناها ودورها الجامع الإسلامي والمسيحي واليهودي.
ولي رفاقُ عمل اعملُ معهم منذ زمن، ونحن مهتمون جداً بمسألة القدس. وعملنا كثيراً من دون أن يؤثر ذلك كثيراً. وكنا على مقربة من أن نعقد مؤتمراً عالمياً حول قضية القدس، لكننا أجلّناه كثيراً ثم ألغيناه الآن. وكان من المترض أن يُعقد تحت عنوان: “القدس قبل فوات الأوان”.
وقد اقترحتُ ممازحاً ومماحكاً أيضاً، قريباً من الاقتناع، ان يكون العنوان “بعد فوات الأوان”. لأن الآوان يبدو أنه قد فات “من زمان”، لكننا لم نكن نرى أو كنا نكابر إذا رأينا. وكان قسم منا يرى ويعرف، وهو شريك في الضياع والتضييع! لكنه يريد لعمله ومنافعه أن تستمر على حساب القدس، تحت لافتة “المقاطعة الخدّاعة”.

سعد الحريري يهنئ عائلة السيد هاني فحص
ومرّة، تجرأتُ في لقاء موسع في القاهرة، على التساؤل بأنه لو افترضنا أنه أتانا الخبر بأن طائرات حربية إسرائيلية دكّت الأقصى والصخرة والقيامة والمهد، فماذا يمكن أن نفعل؟ فجاءتني الأجوبة بلا أجوبة، ومن كبار من قادة الأديان المسلمين والمسيحيين.
وعلى مرارة شديدة، تذكرت مذبحة مقام الخليل والاعتداءات المتكرّرة على التراث المسيحي للقدس المقدس، وعلى الأوقاف، خاصة الأرثوذكسية منها.
رأيي أن وضع القدس صعب. وأن وضعنا العام أصعب، على رغم أني فرح جدّاً لهذه الحركات في الوطن العربي، وخاصة في مصر. ولكنني أحتفظ بخوفي على المستقبل. وفي رأيي ألاّ نحمّل العالم العربي لا مسؤولية القدس الآن، ولا مسؤولية فلسطين حتى ولا كمب دايفيد. وألاّ نحمّل المتغيِّر العربي في المشهد الآن هذه المسؤولية. حتى يُنجز التغيير على المستوى الوطني، فتنشأ دولة المجتمع المدني والعدالة والديمقراطية والخبز والحرية، أي علينا ألا نعطّل المستحقّ بالمؤجّل.
إن دعوة شباب مصر من ميدان التحرير، أثناء عمليات الاحتجاج، وقبل سقوط النظام، إلى القدس كان فيها سرعة. وأعتقد أن أهمّ ضمانة لمستقبل فلسطين والقدس وكل القضايا الكبرى، هو إنجاز دُوَلنا الوطني من خلال رؤية تنموية شاملة. بما يعني أن بلداً كمصر، إذا كان قوياً داخلياً، يمكن لنا أن نحمّله المسؤولية. لكنه، إذا كان ضعيفاً، وحمَّلناه المسؤولية، فسوف نُضعفه أكثر.
وهذا لا يعني أنني أدعو إلى تعطيل الشعور بالمسؤولية. لا الآن ولا غداً. ولكن لا بد من سُلّم أولويات محسوب بدقة، حتى لا نقع في ما وقعنا فيه سابقاً من شعار: “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. فصوت المعركة الحقيقية، هو مجموعة أصوات وليس صوتاً واحداً. لا صوت الجنرال ولا صوت الحاكم المستبدّ. والمجدي هو أن نجمع بين المستويات المتعددة للمسألة والأصوات المختلفة في بناء “هارموني” متكامل، لا يطغى فيه شيء على شيء، وتكون المسائل الحسّاسة مرهونة بأوقاتها.
هذا من دون المسّ بحقيقة راسخة يجب أن يعيها الجميع، وهي أن قضية القدس وفلسطين هي شأن فلسطيني أولاً وأولاً، ما يعني ألاّ وصاية لا عربية ولا إسلامية على الشعب الفلسطيني. وأن أسلمة القضية أو تديينها هو مبرِّر كافٍ للصهيونية والصهيَنَة والأسْرَلة، وافتعال الصراعات المسيحية – الإسلامية الضارة، كما حدث في الناصرة ثم ستر الله علينا وعليها.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
شمّاعة داعش التي يعلق عليها حزب الله معاركه الحقيقية
التالي
هل يزهر ربيع لبنان من بين أكوام النفايات؟