«حزب الله» بين «انعطافة» عدن و«استفاقة» بيروت

ما زالت رائحة الألعاب النارية تزكم أنوف مناصري «حزب الله« في الضاحية الجنوبية لبيروت، منذ أن سقطت مدينة صنعاء بيد الحوثيين في 21 أيلول الماضي. لكن أجواء الفرح والاحتفال تغيّرت تماماً اليوم بعد أن طُرد رجال «الولي الفقيه» من مدينة عدن اليمنية، في نكسة هي الاولى والأوضح للحرس الثوري في المنطقة.

طوال 3 سنوات كانت إيران، بفروعها وأذرعها وخلاياها، تتصرّف على أساس انها القوة العسكرية الاقليمية التي لا تُقهر. وتجلى ذلك في الضخ الإعلامي الهائل منذ انخراط حزب الله علناً في الحرب على الشعب السوري، مروراً باندفاعته الميدانية التي سبقت الانتخابات الرئاسية السورية، وصولاً الى سيطرة الحوثيين على صنعاء ومعظم الشمال اليمني، واستطراداً الى تشكيل «الحشد الشعبي» في العراق، المرتبط مباشرة بالحرس الثوري، وظهور «سوبر مان ايران» قاسم سليماني في العديد من جبهات القتال.

قبل هبوب «عاصفة الحزم» كان الإحباط يأكل نفوس شعوب المنطقة. حتى ان الجميع كان يشعر بأن المنطقة بأكملها سقطت بيد ايران. وازداد هذا الشعور بعد خروج اصوات في طهران وصعدة والضاحية تتوعّد بأن «الدور جايي» على السعودية والخليج والاردن. في منتصف ليل 26 آذار الماضي، اطلقت السعودية «عاصفة الحزم»، بمساندة معظم الدول العربية وباكستان وتركيا، ليقينها بأن لا خيار امامها سوى بالمبادرة. توصّل المعنيون يومها الى قناعة بأن الوزن الايراني في المنطقة لن يتراجع ما لم يتلق الحرس الثوري وأذرعه ضربة عسكرية جدية وملموسة وموجعة في اي ساحة من ساحات المنطقة الملتهبة.

منذ انطلاقة «عاصفة الحزم» حتى اليوم، أطلّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في مناسبات عديدة. وتساءل في كافة هذه الخطابات عن اهداف «العدوان السعودي الاميركي» على اليمن، قائلاً،»فليعطني أحد هدفاً واحداً حقّقه العدوان على اليمن». لا بل أكثر من ذلك. ففي احد خطاباته كاد نصرالله ان يحسم «النصر» في اليمن لولا لطف الله بجمهوره، اذ قال، «إن استمرار العدوان على اليمن محكوم بالفشل، لا تهتموا لـ»إعلام عاصفة الحزم»، فمدينة عدن هي بيد الجيش اليمني واللجان الشعبية، ويوجد قتال في بعض الاحياء، لكن هذا الامر قد حُسِم». هكذا بالحرف !

فماذا حقّقت «عاصفة الحزم»؟ أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي تحرير مدينة عدن بالكامل. سيطرت السعودية على الموانئ البحرية وفتحت خطوط امداد جوية وبحرية الى عدن ومنها الى باقي المحافظات. دمّرت «العاصفة» مخزون الصواريخ البالستية لدى الحوثيين وتمكّنت من مواصلة الحصار الجوي دون ان يسقط لها طائرة حربية واحدة. فشل الحوثيون في نقل المعركة الى الداخل السعودي، رغم التلويح باحتلال مناطق حدودية. هذا ليس كل شيء. فقد تبيّن اليوم ان التهديد بـ»ردّ مزلزل» والحديث عن «الصبر الاستراتيجي» لا صحة لهما على ارض الواقع.

تحرير عدن ومواصلة الحصار الجوي والبحري وتقدّم قوات هادي في أب والضالع وتعز، يعبّر عن أول نكسة حقيقية وواضحة للحرس الثوري «الذي لا يُقهر». نكسة يرى فيها مراقبون شرطاً ضرورياً لامكانية فتح اي حوار مستقبلي مع ايران في مختلف الساحات ومنها لبنان.

توقيت هذا الانجاز السعودي، مهم، لأكثر من سبب. أولاً، لأن في ايران من يضع ضمن برنامجه امكانية الانصراف الى النهوض بالاقتصاد الايراني وتحسين الاوضاع المعيشية للشعب بدلاً من استنزاف موارد الدولة في حروب عبثية ممتدّة على مساحة الإقليم. فأي نكسة عسكرية، كتلك التي تلقاها الحرس الثوري في اليمن، تبعث برسالة «الى من يهمّه الأمر» في طهران، وسط احتدام الصراع بين الاصلاحيين والمحافظين، ومفادها ان هذه الحروب لن تصل الى اي مكان، وبأنها استنزاف طويل أكثر ما هي نزهة على طريق القدس. ثانياً، فإن النكسة الايرانية الواضحة في اليمن، تزامنت مع نكسات «موضعية» لحزب الله في سوريا. فقد ثبت ان الحزب، الذي تعرّض لانتكاستين في ريف حلب وريف درعا، ولم يقدّم اي نتائج واضحة في القلمون، وفشل حتى اللحظة في اقتحام الزبداني على الرغم من إمطارها بمئات الصواريخ والبراميل المتفجّرة، اعجز من ان يفرض واقعاً ميدانياً في سوريا. وهذه الاخفاقات العسكرية للحرس الثوري ولحزب الله، تدعم وجهة نظر الاصلاحيين في ايران، اصحاب نظرية ان «الاولوية للاقتصاد ولا امل من الانفلاش العسكري».

سقطت مدينة عدن، رمز المعارك اليمنية، وسقط معها شيء من «حزب الله«، المسؤول المباشر عن الملف اليمني والأب الروحي لـ»أنصار الله». تلقى الحرس الثوري نكسته الاولى والواضحة في المنطقة. نكسة من شأنها أن تزيد النقاش والشرخ الايراني الداخلي، المعطوف على شرخ تفسير الاتفاق النووي واهدافه. أطلق الرئيس حسن روحاني امس الاول أولى إشارات نظرته لإيران المستقبلية، مؤكداً ان الايرانيين «سعوا لإنهاء العقوبات ورغبوا في إتباع سياسة الاعتدال». رسالة «روحانية» الى الحرس الثوري وأذرعه في المنطقة بنكهة «الاعتدال». قد يفرض الاصلاحيون اجندتهم «المعتدلة»، فتظهر انعكاساتها الاولى على الساحة اللبنانية من خلال تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية. بحسب مصادر دبلوماسية، فبيروت «الساحة الاولى لترجمة التوجهات الايرانية ما بعد الاتفاق النووي«، عدن غيّرت مشهد المنطقة وأثّرت في مجريات النقاشات الايرانية الداخلية وانعكاساتها على الإقليم. وإذا اردت أن تعرف ماذا في بيروت عليك ان تعرف ماذا في عدن.

(المستقبل)

السابق
توقيف 23 سوريا في زغرتا لدخولهم الاراضي اللبنانية خلسة
التالي
المعارضة السورية تحضّر سلاحاً أقوى من البراميل المتفجرة… هل اقترب «جنيف 3»؟