مصر تسوية تاريخية أو انفجار كبير

يتجه الوضع في مصر منسيء إلى أسوأ في الشهور والأسابيع الأخيرة، وعلى كل المستويات السياسية الأمنية الاقتصادية والاجتماعية. وما لم يجري العمل إقليمياً ودوليا على تسوية تاريخية تستلهم روح ثورة يناير 2011، وما شهدته البلد من حراك ومخاض حتى انقلاب تموز 2013 فإن الأمور ستمضيباتجاه انفجار كبير يصبح فيه المشهد المصري مزيج من المشاهد في سورية الصومال وحتى الجزائر في تسعينيات القرن الماضي.
كان مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة ديموقراطي ومحق؛ وتماماً لثورة 30 يونيو حزيران أو بالأحرى الموجة الثورية الثانية للثورة الأم والأصل – في 25 يناير 2011والتيانخرط فيها الـ75 بالمائة الذين لم يصوّتوا للرئيس مرسي في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية 2012 إلا أن الإخوان للأسف لم يستوعبوا أو يفهموا الرسالة حتى بعدما بانت نوايا العسكر في الانقلاب. وكان الذهاب إلى الانتخابات المبكرة في صالحهم تماماً وفق معادلة رابح أو رابح كما نصحهم الشيخ راشد الغنوشي وكثيرون غيره. اما الفوز والبقاء في السلطة بتفويض شعبي جديد أو الخسارة والتمسك بالخيار الديموقراطي مع التحلل من السلطة وأعبائها وتحدياتها المرهقة والمعقدة والصعبة.
فيالمقابل استغل العسكر تظاهرات حزيران وعن سبق إصرار وتصميم للانقلاب على كل مكتسبات الثورة وتجاوزوا المطلب الأساس للتظاهرات، كما الوثيقة السياسية الواقعية التي صاغها آنذاك المبعوث الأوروبي برناردينيو ليون، والتي تحدثت عن خروج مشرف للرئيس مرسي وإجراء انتخابات مبكرة ضمن عملية سياسية تضم الجميع بما فيهم الإخوان المسلمين، وبعد ممارسة القمع والتنكيل والإقصاء بحق الإخوان اتسعت الدائرة لتشمل شباب وموقديشعلة ثورة يناير، كما كل من رفض ويرفض الانقلاب أو أخذ البلاد إلى نظام استبدادي جديد، وبتنا في الحقيقة أمام عودة أو استنساخ لنظام مبارك بأبشع ما فيه،حيث التحالف المشين مع رموزه من رجال الأعمال، كما رجال الإعلام الموتورين تجاه ثورة يناير والمشهد الجديد والجذري الذي فرضته على البلد قبل الانقلاب، بما في ذلك التظاهرات ضد حكم الرئيس محمد مرسي.
رغم الهيمنة الكاملة على السلطة وعشرات المليارات التيتدفقت على البلد من داعمي الانقلاب، والتي لم تذهب إلى خزينة الدولة، وإنما إلى خزينة العسكر،إلا أن هؤلاء عجزوا عن إحداث اختراق جدي، خصوصاًفي السياق الاقتصادي الاجتماعي تحديداً،حيث البنى التحتية منهارة، ولا تغيير في التعليم الصحة أو الرفاه الاجتماعي، بل وصل الأمر إلى انهيار غير مسبوق للجنيه المصريأمام الدولار، وتوقع انهيار اقتصاديشامل فيأي لحظة،خاصة مع توقف المعونات عن التدفق –بلا حساب وبالهبل -كما اتضح من التسريبات الشهيرة للحكام الجدد.
الآن وفي ضوء المشهد السابق والذي يبدو الواقع حتى أكثر سوداوية منه تنحصر الخيارات بين تسوية تاريخية أو انفجار كبير لا يبقى ولا يذر.
حيد القمع التنكيل والإقصاء بحق المعارضين على اختلاف توجهاتهم الإسلامية أو الليبرالية – للأسف لا يساريين كثر بين المعارضين، وهم تربوا على حليب الاستبداد وهتاف بالروح بالدم-حيّد الساحة السياسية والحزبية الداخلية التي لم تعد قادرة على إنتاج أو رعاية التسوية التاريخية، والتي تتضمن العودة إلى روح وثيقة فيرمونت أو حتى وثيقة برناردينيو ليون، كما معظم الوثائق الأخرى التي طرحت لنفس الغرض، والتي ستتضمن بالتأكيد خروج آمن ومشّرف للرئيس مرسي من السجن إلى البيت طبعاً مع إطلاق المعتقلين وحرية العمل السياسي والحزبيضمن مرحلة انتقالية تتضمن حكومة تشبه حكومة عصام شرف ومجلس رئاسي ربما بقيادة عسكريآخر يعمل مع الحكومة على صياغة دستور جديد وقانون انتخابي جديد والذهاب إلى حزمة انتخابية كاملة وفق القاعدة الصحيحة الانتخابات بعد الدستور وضمن مدى زمني معقول ومريح للقوى كافة وهي المعادلة التي تم تجاهلها عن عمد من الجيش، كما من الإخوان ما ساهم فيإيصال البلد إلى ما وصلت إليه.

مصر
في ظل صمت الغرب ولا مبالاة واشنطن أو على الأقل تعاطيها مع الشأن المصريمن المنظور الإسرائيلي الأمني والراضي كل الرضى عن الجنرال ونظامه، تبقى الرياض وحدها قادرة على الدفع بالتسوية مع دعمها ورعايتها الأولى للانقلاب على كل المستويات السياسية الإعلامية والاقتصادية،إلا أن الرياض الجديدة المثقلة بأعباء وخطايا ثنائي بندر- تويجري والمنشغلة بترتيب البيت الداخلي، كما مواجهة التحدي الأساس المتمثل بالهيمنة أو الامبراطوية الفارسية، كما الانتشار الداعشيتتعاطى مع الملف اليمني كأولوية ومن ثم السوريوحتى العراقي،بينما يبدو الملف المصري مؤجلاًأو على الأقل غير ملحّ.
إذا ما قررت الرياض يوماً ما التحرك لإنقاذ مصر من قيادتها وأعدائها فستحتاج حتماًإلى مساندة من الدوحة وأنقرة أقله لإقناع الإخوان بأن مطلب عودة مرسي للرئاسة غير واقعي، وأن الانخراط فيالتسوية يستلزم شجاعة الاعتراف بالأخطاء رغم المظلومية الكبيرة التي تعرضوا ويتعرضون لها، وستحتاج الرياض حكماًإلى تحييد أبو ظبي عن سياستها المؤذية الضارة والداعمة للانقلابات والثورات المضادة ليس في القاهرة فقط، وإنما في قوس عربي وإقليمييمتد من تونس وطرابلس الغرب إلى صنعاء شرقاً مروراً بدمشق وحتى بغداد أيضاً.
للأسف لا تبدو احتمالات التسوية كبيرة للانشغال السعودي المثقل بالهموم الداخلية والإقليمية المحيطة، كما للعناد والعجرفة التي يتعاطى بها الانقلابيون في مصر، وعلى ذلك فإنها أيالتسوية تبتعد يوماً بعد يوم بينما يقترب للأسف الانفجار الكبير يوماً بعد يوماً.
إذا ما تفاعل القمع متعدد المستويات والفشل متعدد المستويات أيضاً مع رفض التسوية أو تقديم التنازلات لإنقاذ البلد من مصيرها المحتوم، فسيحدث الانفجار الكبير والمدوّي ربما بعد شهور،وربما بعد سنوات قليلة، ولكنه سيحدث حتماً وسيأخذ أشكال وتجليات متعددة أيضاً،وربما تسيطر داعش على سيناء كلها أو على مساحات شاسعة في شمالها تمتد من قناة السويس حتى الحدود مع فلسطين،بينما ستنهار السلطة في القاهرة وستضعف سيطرتها على مناطق واسعة من محافظات الجمهورية، وسنكون للأسف أمام مشهد مركب دموي وسوريالي فيأن سوري في سيناء صومالي، وربما حتى جزائري في بقية المناطق والمحافظات.
نقطة اللاعودة فيما يخص الانفجار تتعلق بتنفيذ أحكام الإعدام بحق الرئيس مرسي ورفاقه، علماً أننا الآن في الدقيقة التسعين التواضع والتخلي عنها أو تأجيل التنفيذ سيبقى باب التسوية موارباً ولو قليلاً، أما في حالة الماكبرة والتنفيذ فستضحي التسوية بعيدة جداً بل ومستحيلة ويصبح الانفجار للأسف مسألة وقت ليس إلاّ.
كانت مصر المحروسة في يناير 2011 بحاجة إلى عقد على الأقل لإصلاح ما دمّره العسكر خلال عقود وإذا ما حدثت التسوية فستكون بحاجة لعقد آخر لتحقيق نفس الهدف،أما إذا لم تحدث فسيحتاج الأمر إلى عقود كثيرة وكثيرة جداً للأسف للعودة إلى صيغة الدولة المصرية، كما عرفنها في العقود الماضية.

السابق
«أميرة الرُّوم» (1/4): فيلم أكاذيب عن تقارب شيعي – مسيحي ضدّ «السني»
التالي
غارديان: إيران تنشد التحدث إلى جيرانها