فلنعلنها حالة حرب!

نفايات

كفانا عيشاً كالخراف، ولنعلنها ثورة أو نعترف أنها حالة حرب، انه انهيار مجتمعي، لأن فئة كبيرة من اللبنانيين باتت غير مبالية بما يجري. اجتاحها الملل من الطبقة السياسية. تحول بعضنا إلى “زومبي” لا يهتم بما يجري حوله، وكأنه يعيش في الفضاء. همّه حماية رأسه من دون اي اكتراث بالآخر.

اللبناني يشاهد اليوم النفايات من منزله، يمر أمامها، لا يبالي طالما منزله نظيف. أكثر من 15 شخصاً شاهدوا عملية قتل جورج الريف، من دون أن يحركوا ساكناً، والمهم ألّا يطالهم السكين.
الأمن يقف على “صوص ونقطة”. قضايا يفجرها الاعلام لأيام ثم تخمد نارها بناء على قاعدة (ما يرفع نسبة المشاهدة)، لا رئيس جمهورية منذ نحو سنة وشهرين، مجلس النواب مشلول، الحكومة تحوّلت إلى منبر لعرض العضلات ومصيرها مجهول، عمليات خطف، انتحار، اعتداء، سرقة، السياحة معدومة، النفط لا يزال في البحر، وبالرغم من ذلك، يستيقظ اللبناني كالآلة ليتجه إلى عمله وينتظر راتب آخر الشهر. المهم ان يكون رأسه محمياً.
الأحزاب لا تقدم للجمهورية سوى المواقف. تعبئة جماهيرية، معارك سياسية، حزب يقاتل في أراضي الغير وآخر يبحث عن الكرسي، وبالرغم من ذلك، فاللبناني يسهر ويخرج ليرفّه عن نفسه ويرسل أولاده إلى المدارس، المهم أنه بخير. نواب مدّدوا لأنفسهم، التشريع متوقّف، خطط أمنية غير عادلة، احتقان مذهبي… والخير لقدام.
“أوووف… وشو بعدنا ناطرين؟”، هل ننتظر أن تصل النفايات إلى منازلنا؟ أن نُقتل على أفضلية المرور؟ هل تحوّلت جلسات انتخاب الرئيس فولكلوراً لبنانياً؟ هل بات الشغور الرئاسي بمثابة العرف؟ إنه انهيار في الطبقة السياسية وتفكك في المجتمع… فلنعلنها حالة حرب.
ربما مواقع التواصل الاجتماعي وحدها تُظهر عند كل قضية حجم الرفض الشعبي لحادثة ما، على “تويتر” يفيض التايم لاين بالتعليقات الساخرة والداعية إلى رمي النفايات أمام المقرّات الحكومية، آخرون يعبرون على “فايسبوك” عن استيائهم واستعدادهم للسفر، فهل بات اللبنانيون اسرى مواقع التواصل الاجتماعي. هناك يعبرون وهناك ينتفضون ثم يصمتون وينامون… أين المجتمع المدني الذي استطاع أن يقفل مطمر الناعمة ولو بمساندة سياسية؟ اين المجتمع الأهلي؟

عاليه رفعت النفايات من شوارعها
الاعتراف والانهيار
لبنان مريض اجتماعياً ونفسياً، إذ تعتبر الباحثة في الفكر السياسي وعلم الاجتماع الدكتورة فهمية شرف الدين، في حديث لـ”النهار” أنه “لا بد من الاعتراف بأن لبنان يعيش حالة حرب، ليس ضروريًّا بمعنى القتال، بل هي حالة حرب تنتج مفاعيل ونتائج تنعكس بأشكال عديدة، فحادثة جورج الريف مثلاً تُذكرنا بالصور التي كنا نراها في الحرب العالمية الثانية، حينما كان الناس يمرّون من دون مبالاة بجانب الجثث والجرحى أو محتاجين يطلبون شرب المياه “.
فلنصف حالة لبنان بـ “أنه انهيار في الطبقة السياسية وانهيار لنمط عيش اللبنانيين وانهيار كل المبادىء والقيم التي قام عليها المجتمع اللبناني، كالكفاءة والجدية واحترام الآخر…، مضيفة: “آن الآوان أن يعترف اللبنانيون انهم في حالة حرب”… ولكن إلى أين؟

متى تنتهي الحرب؟
“لا نعرف، إذ إنه في حالة الحرب لا مقدرة لدى الأفراد أو حتى السياسيين على التغيير، وما ننتظره فقط هو المحافظة على الحد الادنى من نمط العيش اللبناني”، تقول شرف الدين، لكنها تدعو أيضاً إلى إلقاء الضوء على الايجابية في لبنان وليس الجرائم فحسب، وتقول: “لا يزال اللبنانيون يقفون عند إشارة السير رغم اختلافهم على قانون المرور، ما يعني ان اللبناني لا يزال يعتبر أن هناك حقوقًا وقانونًا، ولا يجب أن يكون هناك يأس”، معتبرة أنه “لأننا في حالة حرب فلا تزال تصرّفات اللبنانيين معقولة ولا بد من علاج للطبقة السياسية”.
وتستذكر شرف الدين الأيام التي تلت انتهاء الحرب في لبنان وترى ” أن معالجة حال المجتمع سهلة، فبعد انتهاء الحرب في لبنان دخل من كانوا في الغربية إلى الشرقية، رغم انهم كانوا يتقاتلون، ولهذا السبب يجب اعادة النظر في تأسيس نظام القيم اللبنانية، لكن السؤال كيف ستنتهي الحرب، فنحن لا نسطيع كمجتمع تم تقسيمه أن يوقف الحرب، لأننا علينا الاعتراف أننا جزء من المنطقة التي تعيش حرباً اما باردة كما في لبنان أو ساخنة كما في سوريا والعراق”.

“أمر غريب ومخيف”
ما يحصل في لبنان بالنسبة إلى الطبيب والمحلل النفسي شوقي عازوري “أمر غريب، إذ ليس معروفًا في التراث اللبناني أن يرى أحدهم شخصًا يُقتل أمامه ولا يتدخل، بل بالعكس معروف أن اللبناني يهوى المشاكل، وما حصل في الصيفي يدل على تفكك المجتمع”، معتبراً أنه في “غياب دولة تساند المجتمع وتتيح له العيش بديموقراطية أو طريقة يستطيع فيها كل لبناني الحصول على حقّه، يؤدي ذلك إلى تفكك المجتمع وهذا أمر خطير، لأنه منذ 40 سنة، كان يُفتخر باللبناني خصوصاً أيام الحرب، حين لم يكن هناك من يسانده وبالرغم من ذلك استطاع أن يقف على قدميه بلبنانيته وعاداته وتراثه”.
يرى عازوري أن “ما حصل مع جورج الريف اشارة غريبة ومخيفة، ومن المفترض بالطبقة السياسية المحافظة على امر واحد فقط هو العدالة، وأن تتفق على اعطاء الكلمة للقضاء وحينها يُمكن أن تعود الامور إلى طبيعتها”. وفي مقاربة نفسية يوضح أن “الأنا الأعلى التي نكتسبها منذ طفولتنا مروراً بالمراهقة ووصولاً إلى عمر 18 سنة تشكل رادعاً داخلياً يمنعنا من ارتكاب الجريمة والسرقة والتصرّف بوحشية، وهذا الأمر الذي نكتسبه في منازلنا يحتاج إلى وصله بالخارج لأنه من دون عقاب يخرب المجتمع”.

(النهار)

السابق
عقوبات أميركية بحق 3 قياديين في «حزب الله»
التالي
هل انتهى «التحالف» الإيراني – الروسي؟