خربشات على دفتر نكسة الزبالة المذهبية

الطائفية
إنه بلد مبني بأكمله بذهنية الأنانية الضيقة. بلد يعيش المواطن فيه بلا مواطنة فلا يجد سبيلاً غير الانتماء إلى أيّ جماعة، وفق رابطة عقائدية أو سياسية أو مذهبية أو فكرية أو حتّى رابطة مصلحة مشتركة مالية أو نفعية، تحقّق تطلعاته وتؤمن له الحماية والأمان. هنا مربط الفرس: الجريمة جماعية وكلنا شركاء فيها. إن أغلبية اللبنانيين في مواقع التواصل الإجتماعي لا يجيدون الرقص سوى على حبال الكلمات ويجاهرون ليلاً نهاراً بنيتهم بناء الدولة.

الميديا تصنع الخبر، الميديا بإمكانها تحديد حجم التعاطف الشعبي مع حدث معين. وكما هو معروف فإن الكاميرا تعشق الدماء وتنجذب عدستها إلى الجرائم، وهذا ما يطلبه المشاهدون. فما الفرق بين جريمة قتل جورج الريف وبين مقتل طفلة برصاصة طائشة أثناء إطلاق النار في الهواء إحتفالاُ بظهور الزعيم، أو بين حرق المواطن أحمد عيسى نفسه ووفاته؟ الفرق في التغطية الإعلامية وفي الصورة والفيديو اللذين باتا المحرك الأساسي للشعب اللبناني، ولشعوب العالم كلّه. لا نقصد هنا التقليل من جريمة ما، ولكن يجب توضيح مسألة أنّ كل جرائم القتل متساوية ولكل منها حيثياتها الخاصة وإطارها الخارجي.

يجب أن يأكل الزعماء المسيحيون نصف قالب الحلوى

من هنا يجب البحث عن مسببات الجرائم وكثرتها في بلد لا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة. فنجد أن 29 جريمة قتل حصلت في العام 2013، إضافة إلى مئات عمليات السرقة والنشل والسلب والخطف والكثير من التفجيرات والاغتيالات السياسية، وآخرها جريمة تكدّس النفايات في الشوارع وأمام منازلنا.

طارق يتيم جورج الريف

أمام هذا الواقع، تطالعنا السيدة مي شدياق للحديث عن حقوق المسيحيين، ضمن خطاب يكاد يتماثل مع طروحات العماد ميشال عون والحنين إلى زمن الحرب، والبعض يتلطّى بادّعاء الشعي إلى بناء الدولة. وأيّ دولة تلك التي تطمح لها السيدة شدياق؟ الدولة الطائفية القائمة على المناصفة والحقوق والواجبات بين الطبقات الحاكمة؟

مي شدياق

بعبارة أخرى، وإذا عكسنا كلام السيدة شدياق ومن خلفها فشل فريقها الآذاري كله – ثورة 14 أذار ستبقى حلماً بعيد المنال – نجد أن خلاصة قولها: “تقاسموا قالب الحلوى معنا، يجب أن يأكل الزعماء المسيحيون نصف قالب الحلوى”. وهذا بالذات ما يناضل من أجله العماد عون.

الطائفية أشبه بالحيوان الذي يزيده جرحه رغبة بالإيذاء والإنتقام

إذن نحن أمام صراع على تقاسم الدولة وليس حول بناء الدولة، من فريقي 8 و14 آذار. إن الصراع من أجل الدولة مطلب واقعي ومحق للجميع، لكن لا يمكن تحقيقه بالقفز فوقه أو بالتعامي الكلي الساذج عن أسبابه وأصوله، أي النظام الطائفي الإستغلالي البشع والذي نما لأفراده أسنان الذئاب فأصبح المواطن ممسوخاً على هيئة هذا النظام وأصبحت العلاقات الإجتماعية تصور وفقا لشعار: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب. إن الطائفية كنظام حكم هي أشبه بالحيوان الذي يزيده جرحه رغبة في الإيذاء والإنتقام. من هنا لا نستغرب أبداً دعوات السيدة شدياق عندما قالت: “لا تجعلونا نترحم على الحرب”.

الوطن مملوك لعائلات ومؤسسات تستخدم الحس الطائفي

إن هذا النمط من التفكير الثنائي “بيئتك/بيئتنا، مذهبك/مذهبنا، إلخ…لا يساهم في بناء الدولة التي تريدها شدياق، لا بل يقتلعها من جذورها الإنسانية نحو الغرائز السفلية والإنتماءات الانانية الضيقة، ولا يضيف إلى المطلب الوطنى أي بعد أخلاقي.

نسأل أنفسنا سؤالا أبلهاص: لماذا تحصل هذه الجرائم بكثرة؟

ببساطة التسيّب الحاصل في عدم تطبيق القوانين هو بسبب المنظومة الطائفية. حيث يشعر بعض اللبنانيين بالتناقض بين قيمهم الفردية وبين مجتمعهم حيث تسود شريعة الغاب بسبب الحمايات المذهبية والسياسية لبعض المجرمين. هنا المواطن مطالب بأن يكون صاحب كفاءة في نظام لا يعير اهتماماً بالكفاءات ولا يجد له مكاناً فيه. اللبناني مطالب في كل لحظة بألا يؤمن بالطائفية بينما يجد دستور الدولة وإداراتها تشترط عليه أن ينتسب إلى طائفة ما كي تعطيه حقه. والمواطن مطالب بأن يؤمن بأن هناك دولة لجميع اللبنانيين بينما يجد شراذم تتصرف كأنها الدولة.

واللبناني يعلم بأنه لا يستطيع أن يحصل على عمل إلا بعد أن يمنحه النائب ورئيس الطائفة والعشيرة الواسطة والبركات. كيف يمكن للمواطن أن يكون صاحب ضمير بينما يرى حرية شراء الضمائر علناً ويرى الموظفين المحسوبين على الزعماء يأكلون الأخضر واليابس؟

لقد أصبح شعار الوحدة الوطنية شعاراً تافهاً. يكفي أن نلقي نظرة إلى المناهج التعليمية في المدارس الطائفية، غاياتها وأهدافها، حتى ندرك حجم التمزق الذي نحن فيه. المطلوب من الشعب اللبناني أن يكون “كلنا للوطن” والوطن مملوك لعائلات ومؤسسات تستخدم الحس الطائفي لإستعباد المواطن فيصبح الشعار “كلنا للطائفة”.

إن المواطن الذي لم تتلوث يداه بجرائم هذا النظام مدعو للهجرة في كل لحظة لأنه يعيش الغربة في وطن لا يحترم سوى الطائفيين. وطن يسخر منا بتعليمنا في كتب التاريخ والتربية بأنه بلد “الإشعاع والنور”! إن اللبناني مطالب بالتصديق بأن لبنان دولة ديمقراطية فيها برلمان وإنتخابات دورية ونظم دستورية ومحاكم قضائية عادلة، أما الواقع فيعكس أن كل الدولة بنيت على أساس طائفي، أساس خاطىء غير متين سرعان ما سيتهدم على رؤوس اللبنانيين.

وإن كانت الأغلبية تريد الدولة فمن أين انبثقت هذه الطبقة الحاكمة ومن أين تستمد هذه المنظومة شرعيتها وكيف لا يثور الشعب ضد جلاديه، وهو على عكس ذلك يتمسح بهم، وكيف يقبل هذا الشعب بأن ينام في المزابل؟

الإجابة بسيطة: انها الطائفية المستترة – المعلنة، فهي التي أورثت فصاما إجتماعيا، الجميع يبطن عكس ما يعلن، كي تبقى سوسة التعصّب تنخر شعبنا المحكوم من طبقة متنفذّة إقتصاديا وتتلاقى مصلحيا مع بعضها ولكنها تستغل الشعورالطائفي وانفعالاته الغريزية.

النفايات حققت الوحدة الوطنية لأن الغالبية بدأت بالتساؤل: كيف يمكن لفقير مسحوق أن يقتل مسحوقا فقير يشبهه في حرمانه من النظافة، والحرمان من الشعور بالأمن والأمان بحجة العقيدة والمذهب والبيئة والمناطقية؟

السابق
#بدنا_نولعها_اليوم: تعرّف على أضرار حرق النفايات
التالي
اقفال مسلخ دجاج في برجا وفرن الاسمر في زغرتا وملحمة خليفة في الصرفند