«الجزيرة»… كيف بلعت طعم «حزب الله»؟!

الجزيرة
قبل تسعة أعوام كانت محطة "الجزيرة" بالنسبة إلى "حزب الله" أكثر من مجرد قناة تلفزيونية داعمة لخيار المقاومة. أمّا اليوم فأصبحت شاشة "الإرهابيين" و"التكفريين" ومن لف لفهما على ما تزعم جوقة "الممانعة".

في مثل هذه الأيام خلال حرب تموز 2006 ، تفوّقت قناة “الجزيرة” القطرية على تلفزيون المنار التابع لـ “حزب الله” في تغطية شهقات وزفرات “سيد المقاومة” حسن نصرالله.

نازعت لا بل انتزعت “الجزيرة” ببراعة منقطعة النظير، قلوب الجنوبيين التي لم تتعلق يوماً بغير الشاشة الصفراء. كان العالم عند هؤلاء المنسيين على حدود فلسطين المحتلة، يبدأ وينتهي بشاشة “المنار”، وما تقوله “المنار” فقط.

خلعت القناة القطرية زيّها وطابعها العربي الإقليمي وحتى العالمي “لتتلبنن” على مدى أكثر من 33 يوماً، كما لم “يتلبنن” اللبنانيون أنفسهم مع أحداث الحرب الدائرة على أرضهم.

وبقدر ما “تلبننت” أو “تجونبت” وحتى “تقوممت” الجزيرة، بقدر ما “تعرّب” الحزب ذو الصبغة الفارسية بفضلها على طول المساحة الممتددة من المحيط إلى الخليج. فما كادت تنتهي الحرب إلا وكانت صور الأمين العام السيد حسن نصرالله قد غزت البيوت والشوارع والعواصم من دمشق وعمّان والقاهرة، إلى ما بعد بعد طنجة والجزائر وماليزيا وإندونيسيا وإسلام أباد.

مع أول غارة شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي، لم تعد شاشة القناة الأولى في العالم العربي تتسع لمجرد خبر صغير لا يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بعدوان تموز أو الحرب السادسة.

عشرات المراسلين والمصوّرين والفنيين وسيارات البث المباشر التابعة لـ “الجزيرة” توزعت بين بيروت والجنوب والبقاع، لنقل أدق تفاصيل المعركة من مارون الراس وعيتا الشعب وبنت جبيل مروراً بالضاحية  والمربع الأمني والشياح وصولاً إلى النبي شيت وبعلبك وحتى الهرمل.

لعبَ مدير مكتب القناة في بيروت آنذاك غسان بن جدو دوراً محورياً في توجيه دفة التغطية وإدارتها وتنويع محتوياتها وفق ما يشاء، بتنسيق واضح لا يختلف عليه اثنان مع “حزب الله” الذي تربطه علاقات وثيقة بالرجل.

 إقرأ أيضاً: قناة الجزيرة لن تعتذر عن تطاول فيصل القاسم

أفردت “الجزيرة” وبن جدو ساعات طويلة من البث لنقل وتحليل خطابات وحركات نصرالله إلى جانب التغطيات المباشرة لكل ما يمت للعدوان بصلة، فضلاً عن إجراء المقابلات واللقاءات الخاصة مع المسؤولين السياسيين والخبراء العسكريين والناشطين والمسعفين والأطباء، ناهيك عن إعداد مئات التقارير الميدانية.

بيد أن الأهم من ذلك كله، كان حرص الحزب الشديد على منح القناة القطرية دون سواها موادا حصرية، تعكس ثقته العمياء بصديقه الصدوق غسان بن جدو.

http://www.youtube.com/watch?v=9UKQ1plePwA

في الجبهات الأمامية وعلى خطوط التماس مع العدو، يخرج مدير مكتب “الجزيرة” من تحت الأرض بلقاءات أكثر من خاصة مع المقاومين الذين يروون بطولاتهم في إطلاق الصواريخ واستهداف الدبابات وعطب الآليات الإسرائيلية وقنص الجنود الصهاينة.

تنقل “الجزيرة”، أو بالأصح الحزب وبن جدو للمواطن العربي الصورة المثالية التي تخدم أهداف المرحلة من قبيل الصمود والتصدي والثبات، بغية رفع معنويات البيئة الحاضنة بعيداً عن الدماء والأشلاء والدمار الهائل فوق الأرض.

أبعد من الصورة والكادر، وأبعد من الأنفاق ووجوه المقاومين المُموهة وعيونهم الساهرة وبنادقهم الموجّهة نحو الغزاة وحبات العرق المتساقطة، أفلح “حزب الله” في استغلال حاجة “الجزيرة” -غير الشيعية- لتحقيق السبق الصحفي، ووصل من خلالها إلى حيث يشاء، إلى كل بيت وركن وزاوية وشارع وحي وطفل وشيخ في العالمين العربي والإسلامي.

قدّمت القناة القطرية من حيث لا تعلم خدمات جليلة للمشروع الإيراني، الذي استثمر طويلاً في صناعة شخوص إعلامية على صورة نصرالله وأمثاله، بهدف الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الشعوب، ممتطين هو ورفاقه صهوة تحرير القدس وشعارات الموت لأميركا وإسرائيل”.

 “الجزيرة” التي نقلت بالأمس ملاحم البطولة التي سطّرها المقاومون ضد العدو في جنوب لبنان، تشعر وكأنها بلعت بسذاجة طعم “حزب الله” وعميله السري.

كم تمنت القناة القطرية ومن خلفها مئات ملايين العرب والمسلمين لو أن آلاف الأخبار التي وردت في نشراتها طيلة الأعوام الخمسة الماضية عن تدخل الحزب في سوريا نتجت عن أخطاء تحريرية، لا تستوجب أكثر من عبارة “اقتضى التصويب والتنويه، نعتذر عن الخطأ غير المقصود” … ولكن!

في مثل هذه الأيام قبل تسعة أعوام، كانت “الجزيرة” بالنسبة إلى “حزب الله” أكثر من مجرد قناة تلفزيونية داعمة لخيار المقاومة، كانت “الجزيرة” التي باتت اليوم شاشة “الإرهابيين” و”التكفريين” ومن لف لفهما على ما تزعم جوقة “الممانعة”، تكتب تاريخاً مشرّفاً يُخطّ بماء الذهب، قبل أن يستحيل الذهب بحوراً تقطر من دماء السوريين في القصير وحمص وحلب ودرعا والغوطة ودوما وداريا والزبداني … حيث لا قدس ولا من يحزنون!

السابق
سلام ونواب بيروت يبحثون في ملف النفايات غدا
التالي
أحد أصدقاء علي الزين يردّ: من ينتظر الامام المهدي يحترم الجميع