هكذا قتلوا أبي… أبشع من قتل جورج الريف

تيما رضا
عام ١٩٨٢ ليس بماضٍ مضى، فحادثة مقتل جورج الريف على يد طارق يتيم أعادت تيما رضا إلى ذلك العام، الذي قتل فيه والدها. "حسيب رضا" قتل على يد مجرم حماه آنذاك زعيم طائفته كما تمّ حماية طارق يتيم من المحاسبة عن جريمته الأولى والتي لو حوسب عنها لكان جورج اليوم في أحضان عائلته.

هو: انت من بيت رضا؟ والله كنت أعرف شاب من خيرة الشباب بلبنان، قتلوه وكبوه في الزبالة.. لقيوه مكبوب عالزبالة هيك سمعت!

انا بكامل رعبي: “ما اسمه؟”

هو قلقاً من تعبير وجه الحاضرين الذين حاولوا ثنيه عن الإفصاح عن الاسم:” قضيت معه وقت هنا في فرنسا، هو كان ذاهب عند أخوته الى كندا.. لم يكمل الطريق، قال أنه لا يستطيع العيش خارج لبنان.. عاد إلى لبنان فقتلوه ورموه في مكبّ النفايات”.

انا بكامل رعبي: “ما اسمه؟”

هو وقد شعر ان الاوان قد فات للتراجع: “حسيب رضا”.

انا بصوت شبه مخنوق: “هيدا بيي”.

حديث جرى مصادفة، لصبية تزور باريس لتتنعم بجمالها ورومانسيتها، فإذا بها تجد نفسها تستمع الى روايات متناقضة حول والدها الضحيّة، بعد أن قرّر مجرم كطارق يتيم، أن يقتله ويضع حدّا لحياته.

كانت المرّة الاولى التي أسمع فيها هذه القصة، فرغم سنوات عمري ال ٢٤ في ذلك الحين، إلا أن الرواية الوحيدة التي كنت قد سمعتها عن مقتل أبي، أن مَن قتله، وقف يدخّن على جثّته مهددا من يقترب لنقله الى المستشفى بأنّه سوف يرديه فوقه.

لسنوات طويلة وانا أتخيّل المشهد، حاولت الهروب من مشاهدة فيديو قتل جورج الريف. إلاّ أنني لم أستطع، وما إن فعلت حتى تيقّنت بأن ما حصل عام ١٩٨٢ ليس بماضٍ مضى.. ما الفرق بين طارق يتيم ومن قتل والدي؟ طائفة من يحمي الاول الان ومَن حمى قاتل والدي في ذلك الزمن؟

يؤلمني أن أرى من بين أصدقائي من هو خائفا ومَن هو مستقويا.. فمن قتل والدي إبن طائفته ومن حمى القاتل زعيم الطائفة.

لم يستطع حسيب أن يعيش خارج لبنان فقتله ما بات يُسمى بأزعر وعنصر متفلّت.. أطفال جورج الريف سيكبرون ليعيشوا ما عشته، ليجدوا أنفسهم يعيشون في كنف ممثلين عن طائفة ولدوا فيها فكانت السبب في مقتل والدهم لأن زعيمها قام بحماية القاتل عند ارتكابه الجريمة الاولى.

حسيب رقم سقط، تماما كغيره من اللبنانيين، الذين يسقطون يومياً، ويتعامل الاعلام معهم كسبق صحفي قبل أن ينساهم.

لا أعلم مَن حظه أفضل أنا أم أطفال جورج الريف؟ انا لم يتسنَّ لي ان أعرف والدي، أمّا هم ففعلوا.. أنا لا أملك فيديو لعملية القتل الوحشية، أما الجريمة المرتكبة بحق والدهم فقد جابت الفضاء الالكتروني. دعوني اعتقد أني اكثر حظاً لأَنِّي لم أرَ الناس يتفرجون على والدي يُقتل من دون أن يحاولوا الدفاع عنه خوفا على أرواحهم، غير أن أولاد جورج أكثر حظاً بأمور اخرى فيما يتعلّق بإمكانية الإقتصاص من القاتل.

القصة أكبر من استباحة منطقة، القصة أخطر من عملية قتل في وضح النهار. لو أن حسيب اختار اللحاق بإخوته في كندا، لو أن جورج كان متوجها إلى المطار ليغادر البلد، لكانا لا يزالان على قيد الحياة. إلا إننا نحن في داخل هذا البلد نسير نحو ماضينا، على ما يبدو فمنّا “من قضى نحبه ومنّا من ينتظر”!

السابق
ايران الفارسية فرحة وأمهات الضاحية يذرفن الدموع
التالي
30 قتيلاً في الهجوم الانتحاري في سوروتش التركية