إيران تودّع الخميني؟

هذا اليوم مشهود لإيران في الأمم المتحدة. يتوقع أن يرفع أعضاء مجلس الأمن أيديهم كي يرفعوا عنها العقوبات الدولية القارصة. يلجم اتفاق فيينا طموحاتها النووية. لكنه يعترف بها حارساً رئيسياً للتوازنات الإقليمية المستقبلية. به ترتسم ملامح “الشرق الأوسط الجديد”. يبدو هذا الإستثمار مجزياً للولايات المتحدة. غير أنه يبعث القليل من الأمل والكثير من القلق لدى جيران الجمهورية الإسلامية.
ينظر الى تصويت مجلس الأمن على قرار رفع العقوبات الذي يرجح أن يعطى الرقم ٢٢٣١ على أنه ايذان ببدء تنفيذ اتفاق فيينا بين ايران ومجموعة 5 + 1 للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين الى ألمانيا. يشطب عملياً المفاعيل الرئيسية لستة قرارات (1696 و1737 و1747 و1803 و1835 و1929) أصدرت قبل عشر سنين.
تختلف القراءات للاتفاق. تجنب الرئيس الأميركي باراك أوباما – الحائز جائزة نوبل للسلام – خوض حرب قال إنها “غير ضرورية” مع الجمهورية الإسلامية. وضع نصب عينيه هدفاً يمنعها من صنع قنبلة نووية. احتفى بتعزيز استراتيجية منع الإنتشار النووي. بيد أن الإتفاق فتح الباب واسعاً في المنطقة أمام سباق الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وأمام سباق لشراء الأسلحة التقليدية. هذا استثمار اقتصادي هائل لشركات التكنولوجيا النووية وصنع الأسلحة، فضلاً عن الاستثمارات المالية الضخمة في مجالات تطوير عمليات استخراج النفط وتكريره وتصديره، وسوى ذلك من المجالات. يتعدى الأمر تحرير المليارات من الأرصدة الإيرانية المجمدة خصوصاً في مصارف الدول الغربية.
يمكن ايران أن “تغش” في تنفيذ هذا الإتفاق. تاجر البازار يفعل ذلك أحياناً. غير أنه لا يجازف بخسارة تجارته في أي حال. همس ديبلوماسي ألماني: إذا كان المفاوض الإيراني نجح في “بلف” نظرائه من القوى الست الكبرى، سيجد حتماً من يقول له: أحسنت!
دعك من اسرائيل التي لن تكون لها حصة من هذا الإستثمار. لا مكان هنا لشركات صنع التكنولوجيا النووية والأسلحة والنفط الإسرائيلية في المنطقة.
أما الدول الأخرى فوضعها يختلف. هناك سؤال مشروع عن استمراريّة “سياسات التنمّر” الايرانية المتشددة على رغم انهيار مفاهيم تصدير الثورة الإسلامية التي أطلقها آية الله روح الله الخميني. أدت هذه السياسات الى تأجيج النعرات المذهبية على امتداد العالم العربي. أثارت الشيعة في لبنان وسوريا والعراق والبحرين، وأخيراً اليمن. تتساءل السعودية ودول الخليج التي تنعم برخاء نسبي عما إذا كانت ايران ما بعد الإتفاق النووي “دولة مسؤولة” في هذه المنطقة الملتهبة. ثمة علاقة جدلية معقدة بين المخاض الديبلوماسي الذي أوصل الى هذا الإتفاق، وما جنته ايران طوال زهاء 35 عاماً من السياسات المتشددة.
على غرار ما كانته في أيام الشاه محمد رضا بهلوي، أعادها الاتفاق حارسة لتوازن جديد تسعى الولايات المتحدة اليه. وضع الإيرانيون جانباً “سلاحهم النووي النظري”. عساهم يفعلون ذلك بسياسات التشدد الخمينية بغية إعطاء معنى ايجابي لهذا التوازن.

(النهار)

السابق
غموض يحيط بخطف التشيكيين ومشاورات قبل جلسة الخميس
التالي
إتفاقية «هلسنكي» بمفردات إيرانية