إيران تتجه غرباً وأمريكا تفتح أبواب المنطقة واسعة لها

من أهم الاسئلة حول اتفاق الغرب الشامل مع إيران: ما الثمن الذي حصلت عليه طهران مقابل تنازلها عن ملفها النووي بهذا الشكل؟ علماً أن دول مجموعة 5+1 قدمت لإيران حزمة المحفزات الاقتصادية والمالية في عام 2008 لا تختلف كثيراً حتى في التفاصيل مع الاتفاق النووي. ولماذا ألغى الغرب العقوبات المفروضة على فيلق القدس الذي وضعته واشنطن على قائمة المجموعات الإرهابية، مع عدد كبير من الشركات والمراكز الحساسة التابعة للحرس الثوري الإيراني؟

الاتفاق النووي غيّر تماماً أسلوب التعامل بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث اعتمدت الدولتان المراوغة والتضليل طوال السنين الماضية، وحوّل هذا الاتفاق علاقات طهران وواشنطن الثنائية المغلفة بالدعاية العدائية الوهمية إلى شراكة استراتيجية، وتم طي صفحة مصطلحات مثل «الشيطان الأكبر» و»محور الشر» واستبدالها بـ «الشريك الاستراتيجي» و»اللاعب العقلاني».

واعتمدت أمريكا سياسة العصا والجزرة في تعاملها مع إيران بهدف التغطية على التعامل الثنائي وتأطير التعاون الإيراني لصالح الولايات المتحدة بشكل مؤثر منذ عملية 11 أيلول/سبتمر 2011 التي تعتبر بداية تمهيد الظروف في منطقة الشرق الأوسط لإعطاء الجمهورية الإسلامية الدور القيادي للنظام الإقليمي الجديد وهو لا يزال قيد الإنشاء، وحينها وضع الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الإبن، إيران ضمن دول «محور الشر»، وتعاونت طهران بـ «الشكل المطلوب» في غزو أفغانستان حسب تصريح أحد مندوبي مجلس النواب الإيراني.

إثارة موضوع الملف النووي الإيراني بدأ في صيف 2002 قبل بضعة أشهر من احتلال العراق الذي يعتبر نقطة تحول وانطلاقة جديدة لمشروع تصدير الثورة الإسلامية، وتمكنت واشنطن من الحصول على التعاون والدعم المثالي الإيراني لغزو العراق تحت غطاء المسرح النووي.

وكشفت صحيفة «فورين بوليسي» المقربة من مراكز صنع القرار للخارجية الأمريكية في مقال لها بعنوان «الاتفاق النووي يرفع من درجة حرارة الحرب الباردة بين إيران والسعودية» أن مبادرة الحكومة الأمريكية للتقارب مع طهران انطلقت في 2009. وفي هذا العام قدمت إيران تعاوناً مثالياً للولايات المتحدة لخروجها «الآمن» وبأقل تكلفة من العراق بعد تحملها خسائر اقتصادية هائلة. وبعد هذا المشوار المتواصل والطويل من التعاون الوثيق بين طهران وواشنطن، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية وتجارية صارمة على الجمهورية الإسلامية، فضلاً عن العقوبات السابقة. وكان الهدف منها هذا المرة اقناع طهران بأن «تتجه غرباً» وتتعاون مع الاستراتيجية الأمريكية في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لحفظ سيطرتها كالقوة العظمى الوحيدة على العالم، وتدعم إيران الغرب في تفعيل الجبهة الجنوبية في حربه على روسيا. ومن زاوية ثانية تراهن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الغاز الإيراني للتخلص من السيطرة الروسية الكبيرة على سوق الطاقة الأوروبي، ووضع ضغط أكبر على اقتصاد روسيا. ويحاول الغرب عبر إنشاء حلف استراتيجي مع إيران منع تمدد حلف شنغهاي ومجموعة بريكس باتجاه الشرق الأوسط.

وهذا ما أكده عضو مجلس خبراء القيادة ووزير المخابرات الإيراني الأسبق في فترة حكومة هاشمي رفسنجاني، على فلاحيان، في تصريح نشرته وكالة «تسنيم نيوز» التابعة للحرس الثوري، حيث قال، «الاتفاق النووي بين إيران والغرب سينتج تحالفاً جديداً بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة» وأشار إلى أن واشنطن في حاجة اليوم إلى هذا الاتفاق أكثر من طهران. وبيّن وزير المخابرات الإيراني الأسبق محاور هذا التحالف تعود إلى عدة ملفات ساخنة وحساسة للأمريكان في المنطقة، وأوضح أن أمريكا تحتاج التعاون المشترك مع إيران في «ملفي أفغانستان والعراق» وأنها تريد وضع حد لتوسع الصين التجاري عبر «فتح أسواق جديدة في آسيا الوسطى» من خلال الاستعانة بقدرات إيران. وأضاف فلاحيان، أن الجمهورية الإسلامية ستمثل البوابة التي ستعمل من خلالها الولايات المتحدة على «لجم تحالف الصين والهند وروسيا الصاعد». وشدد عضو مجلس خبراء القيادة على أن الاستثمار الغربي في قطاع الغاز الإيراني سيغير عدة معادلات إقليمية ودولية، وأن إيران ستصبح بديلاً لروسيا في توفير الغاز للعالم.

إلغاء العقوبات المفروضة على فيلق القدس والمراكز والشركات التابعة للحرس الثوري، يفسر أن الولايات المتحدة تحاول تصعيد دور إيران التخريبي ومشروعها التوسعي العابر للقارات بشكل كبير وهذه المرة ضمن إطار «تحالف استراتيجي» لكن بالآليات والأسلوب نفسه. وفي الإطار نفسه، غضت واشنطن النظر عن احتضان طهران كبار قادة القاعدة وطالبان، والتقارير الأمنية العديدة التي تظهر أن إيران تسهل تنقل الإرهابيين وتوفر لهم الدعم اللوجستي والمالي ومعسكرات التدريب. والهدف من ذلك هو تسهيل تنقل المجموعات الإرهابية من خلال إيران إلى المناطق والدول التي تريد واشنطن الضغط عليها. وكشفت صحيفة «وول استريت جورنال» الأمريكية في تقرير مفصل أن طهران تدفع رواتب شهرية لقادة طالبان منذ 2011 في أدنى تقدير، فضلاً عن توفير السلاح والمعكسرات داخل الأراضي الإيرانية. وتحاول طهران تبرير هذا الدعم والزيارات المتواصلة لوفود حركة طالبان لطهران تحت غطاء محاربة تنظيم الدولة، علماً أنه لم يمر عن ظهور التنظيم إلا عام واحد فقط.

ويعتبر التعاون الإيراني الأمريكي في العراق النموذج المثالي لفهم ما يحصل لاحقاً على أثر «التحالف الاستراتيجي الجديد» بين البلدين، وتقسيم أدوار دقيقة لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية عبر دعم الخلايا الإرهابية ومدها بالمتفجرات والسلاح عبر أرض العراق، كما حصل مؤخراً في الأردن والبحرين وتم الكـشـف عن تورط فيلق القدس في إرسـال مواد شديدة الإنفجار إلى الدولتين.

سيفتح الاتفاق النووي أبواب المنطقة واسعاً للحرس الثوري حتى يجول ويصول وفقاً للمصالح الاستراتيجية المشتركة لواشنطن وطهران تحت غطاء التحالف الجديد. أكد ذلك علي فلاحيان في جانب آخر من حديثه، الذي أوضح أن أمريكا تحاول أن تقلل من إنفاقها ووجودها العسكري في الخليج العربي وأفغانستان والعراق، ولا يمكن ذلك إلا من خلال التفاهم مع طهران.

وهذا يفسر الانفتاح الدبلوماسي بين روسيا والسعودية والرسائل المتبادلة وزيارة وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، والصفقات المهمة التي تمت خلال الزيارة. وكشفت تقارير صحافية عن دراسة المملكة العربية السعودية اقتراح انضمامها إلى مجموعة الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم (بريكس). ومؤخراً انضمت الهند إلى منظمة شنغهاي للتعاون الأمني، ومن المرجح أن تدخل باكستان في هذه المنظمة. كل هذه التطورات المتسارعة والترتيبات غير المعلنة التي تتعلق بها، توحي أننا على أبواب انقلاب جذري وكبير في المعادلات الإقليمية والدولية، وسيولد عالم جديد ومختلف تماماً عما نعرفه الآن.

السابق
مقتل احمد الموسوي اثر سقوط درّاجته النارية على طريق عام صور
التالي
تفاصيل مثيرة في وكالة فارس عن زيارة خالد مشعل للسعودية