مباراة في الخبث

الاتفاق النووي

لم «يتوقع» باراك أوباما أن ينعكس الاتفاق النووي على سلوك إيران الخارجي. بل أعطى إشارات واضحة إلى استمرار ذلك السلوك على ما هو عليه، وفي المقابل، استمرار واشنطن في «التصدي» له!

قبله، نُقل عن المرشد الإيراني علي خامنئي «توقعه» ايضاً، ان تستمر المواجهة مع الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة.

أي بمعنى آخر، أخذ كل طرف من الآخر ما يريده مباشرة، وتوافقا في المقابل على ترك الأمور الصدامية والنزالية غير المباشرة على ما هي عليه: الادارة الاميركية أخذت من طهران استسلامها للشروط التي تمنعها من إنتاج قنبلة نووية. والقيادة الايرانية أخذت من واشنطن قراراً دولياً بوقف العقوبات الاقتصادية والمالية وتسوية الشؤون المتصلة بها، ومع مفعول رجعي تُقاس ارقامه بعشرات المليارات من الدولارات الاميركية.

فقط مسرح العمليات بقي من دون مسّ. اي كأننا امام مباراة في الخبث. وأمام مُتَسَابِقَين يسعى كل منهما الى الفوز ببطولة هذه الرياضة اللاأخلاقية، التي تتميز بفرادة كون المتفرّجين عليها، هم ضحاياها!

بعض القراءات العربية المرموقة والمحترمة، لم تُخفِ توجّسها مما حصل وسيحصل. وهي مبدئياً على حق. وانطلاقاً من فرضية صحيحة مفادها، انه اذا كانت مرحلة «المواجهات» الإيرانية الأميركية التي تلت حرب الخليج الاولى، أدت في المحصلة الى تمكين الايرانيين من حصد معظم ما زرعه الاميركيون من افغانستان الى العراق، فكيف سيكون عليه الحال في مرحلة الاتفاق النووي؟!

في ظاهر الأمر تبدو الصورة سوداوية وقاتمة. لكن نظرة ثانية تدلّل الى شيء آخر. بحيث إن أوباما يتابع تنفيذ إستراتيجية أميركية بدأت قبله، تقوم في هدفها الاقصى على استعادة ايران وليس فقط على تكسير طموحها النووي.. وهذا يستدعي (واستدعى) مقاربات ملتوية. عمادها الاول سلبي ويقوم على تحويل النقاط التي تفترضها ايران عوامل قوة لها، الى ابواب لاستنزافها. وعمادها الثاني ايجابي ويقوم على التقاط الفرصة السانحة ورمي حبل النجاة لها قبل ان تغرق تماماً في أزماتها المتشعبة، والتي تبين ان اخطرها كان نتاج العقوبات القاسية المفروضة عليها.

.. وهذه الإستراتيجية الاستعادية تريد ايران، ولكن من دون نظامها القائم!

وصحيح الافتراض، ان ادارة اوباما كان يمكنها ان تأخذ اكثر بكثير من الايرانيين في مقابل رفع العقوبات، لكن قوانين ربط النزاع تفرض ان تبقى نقاط الاشتعال على ما هي عليه، طالما ان الهدف الاخير لم يتحقق.

القيادة الايرانية، من جهتها، تريد كل شيء! السماء والارض. السلطة والمشروع الامبراطوري. وأول شروط ذلك هو ان تبقى في مكانها. ويبقى نظام الولي الفقيه ماسكاً بكل مراكز صنع القرار. وذلك يستدعي أمرين: استقرار اقتصادي اجتماعي داخلي، واستنفار موازٍ لكن في شأن الخارج. وذلك بدوره يستدعي إبقاء القضايا الحارة على حرارتها المرتفعة، والشعارات القومية والمذهبية التي تدغدغ العامة، مرفوعة الى السماء السابعة!

«تاريخية» اتفاق فيينا تكمن في انه انهى خطوط التماس المباشر، وأبقى على خطوط التماس غير المباشر لحاجة الطرفين الماسّة إليها.. وهما، في كل حال، يمكنهما التمترس خلف خطوط وخنادق خارج حدودهما وبشرهما، والاستمرار بالقتال بدماء غيرهما!

علي الخامنئي

.. قوانين هذه اللعبة الخبيثة تستدعي ان يبقى المرشد الايراني على ارشاده المضاد للاميركيين، وان يبقى اوباما على «قناعة» بأن المواجهة مفتوحة مع ايران.. وخصوصاً في شأن منعها من تسليح «حزب الله» مثلاً!! أما حديث الأخلاق والأنسنة والحلال والحرام، فهو غير ذي صلة في هذا المقام على الاطلاق!

(المستقبل)

السابق
الستاتيكو اللبناني ليس قابلاً للتبدّل قريباً
التالي
الحسن في طهران.. الحسين في الضاحية