«المسحراتي» الرمضاني يهزم «المنبّه»

المسحراتي
يزخر شهر رمضان بالكثير من التفاصيل الحميمة الخاصّة، أبرزها ذلك الصوت العذب الذي يصدح في الشوارع والأزقّة مع إيقاع طبلة وظلّ رجل ارتبط وجوده بالتراث العربي... ليصبح على مرّ الزمان وجهًا من الوجوه الراسخة عبر الزمن. من منّا لم يعرف هذا الرجل الملقّب "بالمسحراتي" ومن منا لم ينتظره من عام إلى عام؟

قبل موعد الإمساك بساعتين، يستيقظ هذا الرجل مفعمًا بالنشاط والحيوية، يحمل طبلته المتدلية على صدره، ويبدأ جولته. “يا نايم وحد الدايم…قوموا على سحوركم قوموا…رمضان جايي يزوركم…” على إيقاع هذه الكلمات تبدأ نوافذ الحي تباعًا بإشعال أنوارها لتناول وجبة السحور إستعداداً لإستقبال فجر صوم جديد.
هذا الرجل المسحراتي، الذي عادة ما يكون فقير الحال، أصبح من فولوكلور شهر الصّوم، ينتظره الناس من عام الى عام. هو ذو شخصية طريفة، ترافقه طبلته في مشواره الليلي وهو يردد التهاليل الدينية. البعض ما يزال يحترم هذا الموروث الاجتماعي الديني، إلا أنّ إنتشار ساعات المنبّه والهاتف الجوال بشكل واسع، دفع بآخرين إلى الإعتماد على تلك التكنلوجيا الحديثة كبديل عن خدمة “المسحراتي”.

صحيح أن الأحوال تبدلت، وتراجعت قيمة المسحراتي لدى البعض. إلا أنه لا يزال من أهم رموز هذا الشهر

يعيش المسحراتي هذا الواقع على مدار 30 يومًا، يوقظ الصائمين قبل حلول الامساك عن الطعام وطلوع الفجر. والأهم من ذلك أنه يكتسب أجرًا عظيمًا. هذه العادة التراثية لا تدخل ضمن الحرف أو المهن، هي عملاً تطوعيًا، لا يتقاضى عليه أجرًا من الدولة. فقط يمنحه سكان البلدة عطايا من المال والهدايا والحلويات عرفانًا منهم للخدمة التي قدّمها لهم في أيام هذا الشهر.

في ظلام الليل الحالك، والنور الخافت، والصمت السائد، وحدها أقدامه تسير بحذر تحسب من أي مفاجأة حضرها له “زعران الحي”. كم من مرة رجموه بالبيض واالبندورة؟ فهل هذا جزاء من يترك فراشه الدافئ والأحلام السعيدة ليذهب ويوقظكم كي لا يفوتكم السحور؟

هذا الرجل المسحراتي، الذي عادة ما يكون فقير الحال، أصبح من فولوكلور شهر الصّوم، ينتظره الناس من عام الى عام

قديمًا كان المسحراتي يرتدي القمباز والطربوش الأحمر ويسير على قدميه. ولكن مع تبدّل الأحوال، تبدل الزي من التراثي إلى العادي، وأصبحت مهمته تنجز بمكبرات صوتية على السيارات أو شرائط تهاليل دينية مسجّلة.

شهر رمضان

صحيح أن الأحوال تبدلت، وتراجعت قيمة المسحراتي لدى البعض. إلا أنه لا يزال من أهم رموز هذا الشهر، تصعب منافسته أو إلغاءه، وسيبقى أداة تنبيه كمدفع الإفطار يوقظنا كلّ ليلة، وستبقى الطّبل والعصا وعبارة “يا نايم وحد الدايم…” إحدى أهم طقوس هذا الشهر.

السابق
مشروع الفيدرالية تلقّى صفعاته الأخيرة والحلّ باللامركزية
التالي
خامنئي يحذر جامعات إيران من «عودة التيار الماركسي»