أيها العونيون: اعقلوه وعقلنوه

محمد علي مقلد

لم يعد يجدي الكلام معه، فلا العمر، ولا طباعه العسكرية، ولا عدم قدرته على ضبط انفعالاته، ولا تسرعه في اتخاذ مواقف متهورة وغير مدروسة ، ولا سوء تقديره عواقب الأمور وردات فعل الجمهور المعادي له أو الموالي، ولا صمم يمنعه من الاصغاء لنصائح صادقة أوالاستماع إلى نقد لاذع ينال من شخصه وقيمه وتوازنه واتزانه وتوتره وحركات يديه وعينيه… مع ذلك لا بد من نصيحة لمريديه حتى لا ينزلقوا إلى ما لم يكن في حسبانهم يوم اختاروا التحلق حوله. الجمهور الذي التحق بالظاهرة العونية في بداياتها، اختارها رداً على تطرف القوات اللبنانية وعلى كل تطرف، وعلى تفريط بعض اللبنانيين بالسيادة الوطنية، وعلى استخفاف القوى الاقليمية بلبنان وتهديد وحدته. مع أن خروجه من قصر بعبدا كان أول نتيجة عملية لقراراته المتسرعة ومواقفه غير المدروسة، فقد ظل يمثل، وهو في منفاه، ثم بعد عودته، المعاني ذاتها التي جمعت الناس حوله وهو في القصر. وقد تغاضى جمهوره، في حينه، عن أنه حمل في شخصه، إلى جانب تلك المعاني السامية، معاني أخرى لا تليق برجل دولة ولا برجل سياسة، ونقلها معه إلى المنفى ثم عاد بها إلى الوطن، من غير أن تشذبها الغربة أو تهذبها سنوات الغياب. من بين تلك المثالب أنه يقود جمهوره كما لو كان يقود سيارة أو آلية عسكرية، وقوده من الشحن الطائفي والمذهبي الأكثر فاعلية وخطراً وقابلية على الاشتعال، لكنه يمضي سريعاً من غير فرامل ولا مطافئ. فيفاجئ جمهوره بحفر كثيرة، من بينها إعادتهم إلى ثقافة التطرف، بعد أن انقلبت الأدوار وصارت القوات اللبنانية داعية للسلم والحوار ومدافعة عن الدولة والدستور والقانون، بينما تحولت تصريحاته ومؤتمراته الصحافية ولهجته وقسماته مدرسة في التوتير والتحريض وشحن النفوس. احتشد الجمهور ذات مرات بالآلاف حول قصر بعبدا، تعبيراً عن رغبته في استعادة الدولة وإعادة بناء الوطن، لأن بعبدا كانت، في حينه، مدرسة في الدفاع عن الدولة والشرعية في وجه الميليشيات، لكن المدرسة سرعان ما تحولت إلى حقل رماية على الدولة ومؤسساتها، وصارت محلا لنشر ثقافة الاعتداء على الدستور والقوانين وتشويه مفردات الديمقراطية والعمل البرلماني، وصار يتخرج منها رجال سياسة، لا رجال دولة، يتقنون فنون المحاصصة ويشوهون قيم الجمهورية والعمل السياسي، ويبرعون بتنفير العقول من معادلاتهم التي لا يقبلها عقل ولا منطق، فيتغيبون عن المجلس النيابي، مثلا، ثم يدينونه لأنه لا ينتخب رئيساً للجمهورية. أحزاب علمانية أقتنعت بالانخراط في تياره، أو بالاصطفاف معه في جوقة المدافعين عن الاستبداد، رفاقاً في العلمانية شيوعيين وقوميين وبعثيين التقوا معه على مناصرة النظام السوري ضد شعبه وضد الشعب اللبناني. لذلك لم يكن مفاجئاً إذن، أن يعمل على نقل جمهوره من الإساءة للبطركية المارونية إلى خوض معركة ضد السنة، تحت زعم الدفاع عن حقوق المسيحيين، وأن يستبيح المحرمات الطائفية ويشحن النفوس بأسوأ أنواع التعبئة المذهبية. لكن المفاجئ أن يستجيب بعض جمهوره لهذا المنزلق الخطير.

تظاهرة التيار

هو بالتأكيد يدري أنه يقامر بمصير الوحدة الوطنية سعياً وراء مصالح شخصية وعائلية، مستنفدا كل أوراقه، الواحدة تلو الأخرى. لم يبق لديه سوى مؤسسة الجيش التي وفرت له حظ الدخول في العمل العام من بابه العريض، من غير أن تؤهله لعمل سياسي، ولذلك لا يجد حرجاً في التفريط بها. إن غفر اللبنانيون له سلوكه المرضي حيال شهوة السلطة، فلن يغفروا لجمهوره الاستمرار في دعمه والتحلق حوله بعد أن استبدل قيمه وشعاراته بنقيضها، ولم يعد كافياً حصول انقلاب داخلي على نهجه، أو أنسحابات بالجملة من تياره. بل بات الأمر يحتاج إلى قرار جريء يعيد التيار إلى بداياته، ويرد الجنرال إلى جادة المنطق الوطني.

(المدن)

السابق
جنتيلوني: اعتداء القاهرة لن يخيف ايطاليا
التالي
سعود الفيصل: الأمير الذي كسر التابو الغربي وحطّم صورة العربي البدوي