سعود الفيصل: الأمير الذي كسر التابو الغربي وحطّم صورة العربي البدوي

سعود الفيصل
مع وفاة وزير خارجية السعودية السابق الامير سعود الفيصل لم تطو صفحة دبلوماسية مؤثرة في التاريخ الدبلوماسي السعودي وحسب، وانما طويت صفحة من نهضة اجتماعية شبابية في بلاده كان هو بطلها ونجمها الأوّل بلا منازع.

اعلن في السعودية عن وفاة الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز (75 عاما)، الذي تربّع على عرش الخارجية السعودية مدّة 40 سنة، ولم يتخلّ عن هذه الوزارة الحيويّة التي طبعها بشخصه إلّا بعد أن نال منه المرض ، فتنحّى عنها لغيره في شهر نيسان الماضي ليسلّم روحه الى باريها قبل يومين وتنتهي قصّة حياة هذا الأمير العربي الذي ملأ الدنيا يوما ما وشغل الناس في بلاده وبلادنا، وكان رمزا وقدوة للشباب السعودي والخليجي الطامح، الذي وجد في شخص الأمير مواءمة غير مسبوقة تجمع بين الالتزام الوطني والديني من جهة، وبين العصريّة وجاذبية المدنيّة القادمة حديثا من الغرب من جهة ثانية.

لم يحوّل سعود الفيصل أيّ سفارة لبلاده في العالم الى وكر للتجسّس وللاغتيالات والتخريب كما تفعل عادة سفارات دول الممانعة العربية والإسلامية

تخرّج الأمير سعود من إحدى الجامعات الأميركية منتصف ستينات القرن الماضي يوم كان العلم عزيزا ومستواه متواضعا في العالم العربي والخليجي على وجه الخصوص، وتقلّد منصب وزير الخارجية وهو في الخامسة والثلاثين من عمره عام 1975 بعد اغتيال والده الملك فيصل، وبأناقته وقامته الفارهة كان يجول العالم متكلما الانكليزية والفرنسيّة كما العربية بطلاقة.
سعود الفيصل
هو أوّل من كسر “التابو” الغربي في بلده المحافظ، فقد كان لا يجد حرجا ان يظهر في الثياب الرسمية الغربية بدل الثيابسعود الفيصل السعودية التقليدية عندما يكون بزيارة لاحدى الدول الاجنبية، وهو بذلك كان أوّل من قدّم للرأي العام الغربي أنموذجا جديدا ومختلفا عن الصورة النمطيّة التي كانت تطبع اعلامهم عن العرب في ذاك الزمان. تلك التي كانت تشجّعها وتغذيها وسائل الاعلام المتعاطفة مع اسرائيل في العالم، ومفادها أن العربي هو بدوي راكب جمل، يظهر في الأفلام بلباسه التقليدي الذي يعلو رأسه العقال او الشماخ على انه جاهل وغير قابل للتعلّم ومجاراة العصر وأنّه يأنف من مخالطة الأجانب.

مساهمة الأمير السعودي الراحل في كسر هذه الصورة النمطيّة لدى الغرب عن العرب ترافقت بالمقابل مع مساهمته بكسر مثيلتها لدى الرأي العام العربي الخليجي حول الغرب وأميركا. فقد كان الخوف على الدين والعادات والتقاليد العربية من الانفتاح على الغرب هو الرائج، وهو هاجس رجال الدين والنخب المتعلمة المحافظة في بلادنا. خصوصا في دول الخليج العربي التي يطبعها الاسلام السلفي. لذلك فعندما حقّق وزير خارجية السعودية، بكاريزمته وشعبيته المحبوبة، هذا الخرق الإجتماعي الجسيم المواكب بالاعلام المرئي الذي كانت تسجّل بدايات ظهوره في الدول العربية، فقد تحوّل الأمير العربي، الشاب والوسيم، الى نجم دبلوماسي على مستوى عالمي لفترة طويلة كانت غاية في الأهميّة والتأثير في ذاك الزمان، ليصبح بعدها قدوة حقيقية ومثلا أعلى لشباب بلاده الذين أقبلوا على المدارس والجامعات المحليّة والعربية والأجنبية وعلى تعلّم اللغة الإنكليزية تشبها بأميرهم اللامع والطموح.

سعود الفيصل وجورج بوش
وشهادة حقّ تقال في النهاية عن وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل، أنه لم يحوّل أيّ سفارة لبلاده في العالم الى وكر للتجسّس وللاغتيالات والتخريب كما تفعل عادة سفارات دول الممانعة العربية ونظيراتها الإسلامية ذات النزعات الثوريّة التسلّطيّة، وهو لم يرضَ في عهده الا ان يسجّل لبلاده انّها مارست أشفّ أنواع الدبلوماسيّة السياسية وأرقاها.

السابق
أيها العونيون: اعقلوه وعقلنوه
التالي
باسيل: خيارنا التلاقي بين اللبنانيين وليس التصادم نريد تطبيق اتفاق الطائف